عمود "شوف تشوف" الجمعة 04 يوليو 2014




مفاتيح لفهم المستقبل الجزء الثاني


تحدثنا بالأمس عن الأسئلة المقلقة التي كانت قبل سنة تقض مضجع القيادة السعودية بسبب الموقف الأمريكي الذي تغير إزاء الوضع في مصر وسوريا وإيران.
والواقع أن إجابات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كانت بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم للتوجه الأمريكي في المنطقة العربية والخليج والعالم برمته، حاليا وفي المستقبل.
وإذا كانت القيادة السعودية قد نسيت كيف أن كلينتون، رئيسة الخارجية الأمريكية السابقة، كانت تحيطها بمستجدات الأحداث في مصر، فإن جون كيري ذكرها بذلك في هذا اللقاء، شارحا كيف بدأت الأحداث في مصر وكيف كانت كل التقديرات التي تصلهم من الدولة المصرية تقلل من أهميتها، مذكرين إياهم في هذه التقارير بأحداث انتفاضة 78 – 79 أيام السادات وكيف كانت مصر قادرة على احتوائها.
كانت الإدارة الأمريكية في تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر تبارك الجهد المصري وتؤيده واقترحت عليهم التقليل من القمع والتجاوب مع الحد الأدنى من المطالب المطروحة قدر الإمكان. وصادف أن كان الفريق سامي عنان، رئيس الأركان المصري السابق، يقوم بزيارة لواشنطن فخاضوا معه حواراً وزودوه ببعض الاقتراحات لتسريع خروج مصر من هذه الأزمة.
وعندما غادر عنان مصر رافقه على متن الطائرة نفسها وفد أمريكي كبير من قيادة البنتاغون ووزارة الخارجية والسي آي إيه، حيث شكلوا جميعهم خلية أزمة كان مقرها القاهرة لتكون على قرب من الأحداث.
وسافر الوفد الأمريكي إلى مصر لمساعدة النظام هناك وكانت الإدارة الأمريكية من خلال هذا الوفد تقدم إلى الرئيس مبارك وإدارته يومياً وساعة بساعة ودقيقة بدقيقة اقتراحات ومبادرات وتوجيهات للخروج من هذا المأزق، إلا أن مبارك كان يتجاوب معهم في بادئ الأمر ولكن بعد ساعات يتخلى عما اتفق معهم عليه.
حينها لمست الإدارة الأمريكية من قيادة الجيش تعاطفا مع الشارع المصري، فخاضوا حواراً معها، إذ كان موقف الجيش واضحاً وحاسماً بعدم التدخل في ما يحدث وأنه لن يستخدم حتى هراوة ضد أي متظاهر في الشارع. 
مشكلة مبارك، حسب ما شرح جون كيري للقيادة السعودية، هي أنه كان يتفق معهم على صيغ محددة لكنه سرعان ما يتخلى عنها تحت ضغط أقاربه والفاسدين من حوله، فهم كانوا لا يريدون أن يدفعوا شيئاً وكانوا يراهنون على عفوية التحرك وسرعة انتهائه وأنهم غير مضطرين لتقديم أي تنازل.
والخلاصة التي خرج بها الأمريكيون، والجيش وقيادته كانوا شركاء معهم بهذه الخلاصة، هي أن مبارك أصبح عاجزاً وغير قادر على اتخاذ أي قرار وأن من حوله هو صاحب القرار، لذلك بدأ موقف الإدارة الأمريكية يتطور مع الأحداث ويتماهى مع حركة الشارع في مصر.
الخلاصة التي تم التوصل إليها هي أنه إذا كان الجيش المصري وقيادته رفضوا سياسة مبارك وتعاطفوا مع الشارع، «هل تريدون من الإدارة الأمريكية أن تحضر الكوموندو والجيش إلى شوارع وأزقة القاهرة لمواجهة الشعب المصري؟».
وبخصوص علاقة البيت الأبيض بالإخوان المسلمين، فإن جون كيري اعترف للقيادة السعودية بأن علاقتهم بهذا التنظيم تعود إلى التسعينات من القرن الماضي، وقد تطورت ونمت في محاولة لإيجاد إسلام سياسي معتدل رداً على القوى الإرهابية في المنطقة. والأمريكيون كانوا يعتقدون ولا يزالون أن الإخوان المسلمين كطرف معتدل قادر على كبح جماح التطرف الإسلامي الإرهابي. 
مبارك لم يكن أكثر أهمية لأمريكا من شاه إيران، فعندما شعرت أمريكا أن شاه إيران بدأ يسقط ويفقد قوته بالشارع الإيراني لم تأت بجيوشها إلى إيران من أجل بقائه، فقد كانوا يعرفون أن بديله في إيران سيكون معادياً للولايات المتحدة، ولقد حذروا إسرائيل بسبب إرسالها الدعم العسكري والأمني إلى الشاه، وقالوا لها إن زمن الشاه قد ولى وعليك أن تنكفئي إلى الخلف.
إسرائيل لم تسمع من الأمريكيين ولذلك كان عنوان ثورة إيران بعد الشاه إسرائيل وإسرائيل بالذات، لأنها قد تورطت في مواجهة الشارع الإيراني، الأمريكيون لم يقوموا بذلك ولم يتصادموا مع الشعوب في بلادها.
وبخصوص الملف السوري والأسئلة التي أثارتها القيادة السعودية أمام وزير الخارجية الأمريكية، فقد اعترف جون كيري بأنهم كانوا ومنذ البداية يدعمون الثورة ويؤازرونها، وقالوا إن على بشار الأسد أن يرحل ودعموا المعارضة وكانوا يتمنون أن تبقى المعارضة في الأزقة والشوارع، وأن لا تنتقل للجبال والخنادق.
ولكن هناك من استعجل الأمر واعتبر أن ذلك سيسرع في انهيار النظام، ورغم أن وجهة نظر الأمريكيين كانت مخالفة لهذا التوجه فإنهم لم يعترضوا.
وهكذا آزروا المعارضة بكل قوة وزودوها بالسلاح وفرضوا عليهم جميعاً ضغوطات من أجل الوفاق والوحدة، وفي الوقت ذاته مارسوا ضغوطاً على النظام وعزلوه وحاصروه، كل ذلك دعماً للثورة السورية.
ولكن الذي أضر بالثورة السورية، حسب جون كيري، هو كثرة الطباخين حيث أفسدت الطبخة. فالكل أصبح قائداً للثورة السورية والكل له قراراته والكل له جماعته وكان الكل يتصارع مع الكل. فقطر أصبحت قائدة وتركيا أصبحت كذلك والبعض في السعودية أيضا حشر نفسه في الصراع، وإسرائيل أطلت بأنفها، وهذا ما مكن النظام السوري من الصمود وأصبح قادراً على المواجهة.
ولعل السؤال الذي يطرحه الأمريكيون دائما في أي نزاع أو ثورة، هو «أين يقف الجيش»؟ فأهم مقوم من مقومات استقرار أي دولة أو انهيارها هو الجيش.
والأمريكيون طبعا كانوا يعرفون أن نظام بشار الأسد محاط بنواة صلبة من الجيش يصعب اختراقها، ولكن البعض كان يزودهم بمعلومات مضللة، ويقول لهم إن الجيش سيفقد الثقة في بشار وإن المسألة مسألة أيام فقط، بل إن البعض تحدث عن ساعات.
وعلى سبيل النكتة، روى جون كيري قصة وقعت في عز الصراع بين النظام والمعارضة السورية، بطلها أمير قطر السابق حمد. فقد اتصل على عجل طالباً مكالمة الرئيس أوباما، مؤكدا أن بحوزته معلومات هامة يجب أن يطلعه عليها، وكان الوقت بعد منتصف الليل حسب توقيت الولايات المتحدة والرئيس خلد إلى النوم، غير أن إلحاح أمير قطر على مكالمة الرئيس دعا مستشاريه إلى إيقاظه.
أمير قطر أخبر الرئيس أوباما ما يلي:
«رئيس الوزراء السوري رياض حجاب سيتوجه بعد ساعات إلى رئاسة الوزراء ليعقد مؤتمراً صحفياً يعلن انشقاقه عن النظام ودعمه للثورة، كل ذلك سيترافق مع تحركات وانتشار الجيش السوري خاصة في المدن الأساسية، وأن هناك اتفاقاً قد جرى ما بين قيادة الجيش وقيادة الثورة على أن يوجهوا نداء وإعطاء بشار الأسد فرصة من الوقت لمغادرة سوريا، وأن القطريين قد مارسوا ضغوطاً كبيرة من أجل إتمام ذلك لأن البعض في سوريا يريد قتل واعتقال الرئيس على الطريقة الليبية وعدم تمكينه من مغادرة سوريا».
أمير قطر أبلغ الرئيس أوباما أيضاً أن كل ذلك أصبح ناجزاً والمسألة خلال ساعات.
الرئيس أوباما أخبر مستشاريه وأبلغهم بالموضوع، وطلب منهم أن تقوم الفرق التلفزيونية الموجودة في تركيا بالتحرك الفوري إلى سوريا من أجل مواكبة الحدث. وجلسوا ينتظرون ساعات وساعات ولا شيء يحدث في سوريا، ليفاجؤوا في ساعات المساء بطلب أردني من أجل مساعدتهم عبر الأقمار الاصطناعية في البحث عن رياض حجاب رئيس الوزراء السوري، حيث أخبر الأردنيين أنه في الطريق إليهم ولكنه لم يصل ومن المحتمل أن يكون قد ألقي القبض عليه أو قتل.
وبعدها بساعات تم التعرف على رياض حجاب مغادراً الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية متنكراً بزي امرأة.
الذي حدث هو أن القطريين أبلغوا الإسرائيليين بذلك قبل أن يبلغوا الأمريكيين.
اتصل الأمريكيون بالأردن لمعرف حقيقة ما يجري، أبلغهم الأردنيون أن لا علم لهم بذلك ولم يلحظوا أي تغيير مهم في سوريا وفي حركة الجيش. وهكذا أضاعوا فرصة سوريا بأحلام طوباوية وتخيلات وهمية والخاسر الأكبر حتى الآن هو الشعب السوري.
فيما الاستطلاعات والدراسات والمعلومات الأمريكية كلها تجمع على أن بشار الأسد يومياً يزداد قوة ويستعيد ثقة البعض يوماً بعد يوم.
المسألة في مصر ليست كما هي في سوريا، فالشعب المصري بأسره كان ضد مبارك والجيش تخلى عنه، الوضع في سوريا مختلف، فالنواة صلبة وغالبية القيادة مع بشار الذي له وزن وقوة في الشارع السوري، وهناك حلفاء إقليميون ودوليون لم ولن يخذلوه لأنهم يدافعون عن أنفسهم قبل أن يدافعوا عن الشعب السوري.
بقي أن يقنع وزير الخارجية الأمريكي القيادة السعودية بأن هناك فرصة عبر طاولة المفاوضات وما عجزوا عن تحقيقه عسكرياً يمكن أن يحققوه على طاولة المفاوضات، وهنا نصل إلى الحديث عن مؤتمر جنيف. فقد أخبر جون كيري الطرف السعودي أنه سيعقد سواء شاركوا أم لم يشاركوا.
فالكل في العالم مجمع على أهمية عقد جنيف 2، ولذلك أخبر جون كيري أن أمام القيادة السعودية مهلة شهرين أو ثلاثة لموعد انعقاد المؤتمر لكي يفعلوا ما يريدون، فإن حققوا مكاسب فهذا شيء عظيم، فالأمريكيون مهتمون بأن يصل بشار الأسد إلى جنيف 2 خاسراً ومنهكاً.
وحسب وزير الخارجية الأمريكي، فإن هناك إجماعاً عندهم على أن التوجه العام للسياسة الأمريكية الخارجية الآن هو تجنب القتال والحروب في أي مكان ممكن، والدفع بالدبلوماسية والحوار والحلول قدر الإمكان.
ومن هنا يأتي فتح البيت الأبيض لقنوات الحوار مع إيران، حيث كان جون كيري واضحا وصارما عندما قال للقيادة السعودية «سنتفق مع إيران، لن أخفي عليكم أن الاتفاقية مع إيران شبه جاهزة ومصالح السعودية ودول الخليج هي ضمن هذا الحوار وضمن هذه الاتفاقية، ويجب أن تكونوا شركاء بما يجري في المنطقة لا تراهنوا على عنتريات البعض، القطار سيسير وليس هناك قوة قادرة على إيقافه».

إرسال تعليق

0 تعليقات