الحق في الفرح..الحق في الغضب





فاطمة الافريقي

في بلاد الفرح، كل شيء يحرض هذا الأسبوع على الغضب، دموع أمهات المعتقلين في الفيديوهات، إدانة شباب تظاهروا مع الآخرين، صمت الآخرين، رقصهم، فرحهم السادي باعتقال الحاقدين


فرح:

في عاصمة الغضب، كل شيء يوحي بالفرح.. الصورالمبتسمة في اللوحات الإشهارية، الأكف المنسجمة في الإيقاع، النظرات الهاربة من الحقيقة، الأجساد العارية التي تتمايل بغنج على المنصات والشاشات، النجوم القريبة والبعيدة جدا، الأضواء التي تعمي الأعين، الموسيقى التي تفيض عن الحاجة، والشعب الذي خرج عن بكرة أبيه طواعية وبأعداد غفيرة لساحات الفرح..كل شيء يوحي بأننا لا ينقصنا إلا الفرح.

غضب:

في بلاد الفرح، كل شيء يحرض هذا الأسبوع على الغضب، دموع أمهات المعتقلين في الفيديوهات، إدانة شباب تظاهروا مع الآخرين، صمت الآخرين، رقصهم، فرحهم السادي باعتقال الحاقدين، الموت غير المبرر لناشط في مخفر الشرطة، الاعتقال غير المقنع لفنان معارض، الحكم المستعجل على صحفي بدون علمه، منع التأبين والحزن، انتهاك الحق في الغضب...كل شيء يوحي بأننا على ما يرام ولا شيء على هذه الأرض يستحق الغضب.

مهرجانات الفرح:

تضاعفت جماهير مهرجانات الفرح، وقلَّت جماهير مسيرات الغضب. ففي الوقت الذي تاه فيه الشباب الغاضب بين المخافر والزنازين والجنائز، عاشت مهرجانات الفرح..في بلدي المعارضة الشرسة للبذخ في طقوس الفرح حافز قوي على تثبيت البقاء، والتعبير البئيس عن التعاسة دليل إدانة، الأمر محزن للغاية.

عبارات الفرح:

إعلامنا الرسمي يَحرص على حِسِّنا المرهف وعلى توازن معدلات السكري في الدم، لهذا لا ينشر إلا الأخبار الحُلوة، ولا يتلو على مسامعنا إلا جمل الفرح والعبارات الدبلوماسية الفضفاضة التي تتصدر ديباجة بيانات المراقبين الدوليين، ينتقيها بعناية كما تُنْتقى اللؤلؤة، ويحذف الشوائب السوداء والتفاصيل الحزينة والحشو الغاضب لتفادي الإطناب.

صور الفرح والغضب:

تبدو صور الفرح في الرباط أرحم من صور الجثث في دمشق، وهي دليل مرئي آخر على أن ربيعنا الديمقراطي كان استثنائيا..وتبدو صور تدبير مسيرات الغضب في تونس أرقى من صور قمع الغضب في كازابلانكا، وهي دليل أعمق على أن ربيعنا كان فعلا استثنائيا، وبلا ثمار..

الحق في الفرح:

الحق في الفرح، كالحق في الغذاء، ليس صدقة، ولا طقسا احتفاليا لأخذ صور للدعاية، ولا كبسولة سحرية للاستهلاك المناسباتي ..إدراك الفرح كإدراك الكرامة، هو تحصيل حاصل حين تتحقق شروط المواطنة الكاملة..

الحق في الغضب:

ليس هناك فرح دائم ولا غضب دائم، هناك حقوق دائمة..سنصير شعبا سعيدا حين يصير لنا بعض الحق في التعبير عن الغضب، تماما مثل الحق الممنوح لنا بأريحية في الهتاف والقفز من شدة الفرح..

خبر مفرح:

التعذيب في وطني حالات معزولة، والفرح سياسة ممنهجة..

إرسال تعليق

0 تعليقات