عمود شوف تشوف عد الثلاثاء 10 يونيو 2014



طبول الحرب

المتتبع الحصيف لردود الفعل التي صدرت مؤخرا عن قيادة حزب الاستقلال في نسخته «الشباطية» لا بد أن يلتقط مؤشرات تدل على أن الريح غيرت اتجاهها في ما يتعلق بمواقف الحزب إزاء خصومه وحلفائه.
ولعل السؤال الذي يطرحه كل متتبع نبيه هو ما الذي حدث حتى يهدد لسان حزب الاستقلال، «الطويل» بالمناسبة، بالتحالف مع العدالة والتنمية مجددا بعد كل المعارك الدامية والملاسنات الجارحة التي تبادلاها في البرلمان ووسائل الإعلام؟
فقد كان لافتا للانتباه أن يعلن الحزب عبر ناطقه الرسمي عن أن الحليف التقليدي لحزب علال الفاسي هو العدالة والتنمية وليس الأصالة والمعاصرة، وأن الخلاف بين الحليفين التقليديين ظرفي وعابر، بينما الخلاف مع من كان يسميهم لسان الحزب «البامطاجية»، وهو خليط لغوي اخترعه البرلماني عبد الله البقالي يجمع بين «البام» و»البلطجية»، يظل خلافا جوهريا.
أول نتائج هذا التحالف التقليدي تجلى في تحالف الفريق الاستقلالي وفريق العدالة والتنمية في البرلمان للتصويت في لجنة المالية على إخراج الصناديق الخصوصية من منطقة الظل، حيث صوتت الأغلبية والمعارضة لصالح قرار مراقبة «الصناديق السوداء»، أمام دهشة بوسعيد الذي لم تسعفه همسات الخازن العام للمملكة في أذنه ولا هاتفه النقال في فك طلاسم هذا التخالف المفاجئ لفريق محسوب على المعارضة مع فريق محسوب على الأغلبية.
والقرار على درجة كبيرة من الخطورة لأنه سيعطي وزير المالية صلاحية مراقبة طرق صرف ميزانيات حوالي 32 حسابا خصوصيا منها حسابات مؤسسات حساسة، أهمها حساب «صندوق دعم أسعار بعض المواد الغذائية»، و«الصندوق الخاص باستبدال أملاك الدولة» و«صندوق تضامن مؤسسات التأمين» و«صندوق تدبير المخاطر المتعلقة باقتراضات الدولة غير المضمونة»، وهي الصناديق التي تلتهم حوالي 85 في المائة من إجمالي النفقات.
ولذلك اشتعلت الحرارة في أسلاك الهواتف بحثا عن صيغة لتدارك الأمر قبل عرض التعديل في جلسة عامة لم يعلن عن تاريخها بعدما. إنها إذن أول وأقسى ضربات القيادة العامة لحزب الاستقلال، بعدما شعرت هذه القيادة أن هناك من يناور خلف ظهرها لكي يزيح حزب الاستقلال من المعادلة الانتخابية المقبلة حتى يخلو الجو لغريمين سياسيين هما الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية.
لقد تشمم شباط بحاسته السياسية رائحة طبخة سرية في مأدبة لم يدعه أحد إليها، وأغلب الظن أن لحم المأدبة مقتطع من أطراف حزب الاستقلال، خصوصا بعدما بدأ حزب الأصالة والمعاصرة يستقطب أطر هذا الحزب كما حدث في قلعة السراغنة.
ولذلك قال شباط مؤخرا أمام أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب إن العدو الآن لم يعد العدالة والتنمية وإنما أصبح الأصالة والمعاصرة. فسأله عبد الصمد قيوح لماذا غادر وزراء الحزب الحكومة إذن، فلم يرد عليه شباط وغادر الاجتماع شبه غاضب.
وطبعا فقيوح من حقه أن يسأل، فالرجل فقد الوزارة والبرلمان بسبب قرار شباط الانسحاب من الحكومة، وليس هذا فحسب بل إن عائلة بوهدود الخصم التاريخي لعائلة قيوح استطاعت أن «تبلص» ابنها في الحكومة.
ولعل النقطة التي أفاضت كأس شباط وجعلته يقرر إشهار عتاده الثقيل في وجه «البام» هو ما وقع قبل أيام عندما ذهب رفقة عبد الله البقالي، الذي ورث نقابة الصحافة عن مجاهد وفق اتفاق يقضي بتناوب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي عليها بالدور، عند بيد الله رئيس الغرفة الثانية لكي يعين البقالي في المجلس الأعلى للتعليم بحكم أن الغرفة الأولى اقترحت نائبا من البام، فوعد بيد الله بوضع اسم الاستقلالي في اللائحة غير أن شباط سيكتشف أن الاسم الذي قدمه بيد الله يعود لنائب من «البام»، هكذا أصبح للأصالة والمعاصرة عضوان في المجلس الأعلى للتعليم، واحد ممثلا عن الغرفة الأولى والآخر عن الغرفة الثانية، فثارت ثائرة شباط.
وبما أن المصائب لا تأتي منفردة فقد تلقى حزب الاستقلال طعنة ثانية في الظهر من «البام» عندما اتفق النائب الاستقلالي مضيان مع النائب «البامي» بنشماس على حضور برنامج مباشرة معكم الذي كانت حلقته حول الحشيش.
فتحدث مضيان عن الترخيص بزراعة الحشيش لفوائده الزراعية بينما كان تدخل بنشماس حول البحث عن بدائل للسكان. وقد وجد مضيان نفسه وجها لوجه مع شاب من تارغيست التي يمثلها مضيان في البرلمان «يبهدله» مباشرة على الهواء، وفهم مضيان أنه وقع ضحية فخ، وأن الشاب مقرب من «البام»، فحاول مغادرة البرنامج لكنه لم يمتلك الجرأة الكافية للقيام بذلك.
والواقع أن إعلان شباط القطيعة مع الأصالة والمعاصرة، بسبب انغلاق مفاجئ في الهواتف إياها، ليس مرده تغير مسار الرياح الحزبية مع «البام» فقط، وإنما أيضا بسبب رغبة شباط في قطع الطريق على خلايا «بلا هوادة» التي تنازعه شرعية الحزب والتي بدأت تنسج وشائج متعددة مع العدالة والتنمية على مستويات مختلفة، فبادر شباط إلى بسط يده لبنكيران عبر تلك الافتتاحية التي يمكن اعتبارها مقدمة تمهد لما بعدها، خوفا من أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة على حسابه فينتهي بالخروج من المولد بلا حمص.
فقد كانت ندوة «بلا هوادة» العلمية حول علال الفاسي صفعة قوية لقيادة حزب الاستقلال الحالية، خصوصا عندما حضر للجلوس في الصفوف الأمامية محمد بنسعيد أيت ايدر ومحمد اليازغي ومحمد بوستة الذي لم يجد من عبارة يلخص بها حال حزب الاستقلال سوى «الله غالب»، والذي وجه الدعوة إلى عبد الإله بنكيران لكي يحضر زفاف إحدى بناته في مراكش الأسبوع الماضي، وهي الدعوة التي لباها بنكيران بفرح، حيث أنه استطاع أن يرى كيف أن عباس الفاسي يجلس منزويا في مائدة «ثانوية» لا يكاد «يحاشيها» له أحد.
والجميع يعرف أن حضور هذه القيادات التاريخية لنشاط جمعية خرجت إلى الوجود للطعن في انتخاب شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال، وراءه رسالة سياسية مفادها أن التيارين اللذين ظهرا داخل الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لمواجهة إدريس لشكر وشباط لديهما امتدادات تصل إلى صالونات فيلات بعض القيادات التاريخية.
فالزايدي الذي قارع لشكر في انتخابات الكاتب الأول وقارعه في انتخاب رئاسة الفريق البرلماني قبل أن يستسلم، ليس سوى رجل قش محمد اليازغي الذي يريد أن يعيد الحزب إلى حضن العائلة، وبالضبط إلى ابنه الذي يعتبره وريثه الشرعي في الحزب. ولهذه الغاية وظف الزايدي لكي يحارب لشكر بالوكالة.
أما قائد «بلا هوادة» الدكتور عبد الواحد الفاسي، فهو «يناضل» من جهته لإرجاع الحزب وممتلكاته إلى صالون عائلة الفاسي وبوستة. وهذا الأخير لن يغفر لعباس الفاسي إخفاءه أمر المرشح الفائز بالأمانة العامة لحزب الاستقلال عن أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وتوريطه لعبد الواحد الفاسي في مواجهة شباط عوض مساندة محمد الوفا.
فإذا كان الوفا وعباس الفاسي مشتركين في الزواج من بنتي علال الفاسي فإنهما مختلفان في كل الأشياء الأخرى، وهذا ما ولد كراهية مستحكمة بين الرجلين أدت إلى تفخيخ مؤتمر الحزب وتلغيم أجوائه المكدرة التي استغلها شباط لكي يسطو على الحزب في غفلة من الزمن.
ولعل هذا ما دفع الأستاذ محمد الخليفة إلى الإفصاح عن جزئية مهمة في أحد حواراته الأخيرة عندما قال بخصوص الانتخابات التي أفرزت شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال إن إرادة خارجية كانت تسير الأمور بوضوح. مما يعني أن ما حدث لحزب الاستقلال يتحمل المسؤولية فيه عباس الفاسي، وهو ما يفسر وضعية المنبوذ التي أصبح يعيشها.
والأستاذ الخليفة لم يسقط في حزب الاستقلال مع الأمطار الأخيرة، بل إنه واحد من أقطاب الحزب الأساسيين الذين حافظوا على مسافة من قيادته الجديدة بعد التشكيلة الحكومية الأولى على عهد عباس الفاسي، وهي التشكيلة التي كان سيكون فيها الأستاذ الخليفة وزيرا للعدل بعدما زكاه بنكيران، لولا أن مصطفى الرميد غضب وهدد بعدم المشاركة في الحكومة إذا لم تكن حقيبة العدل من نصيبه.
ولذلك فعندما يتحدث الأستاذ الخليفة عن بنكيران يصنع ذلك بكثير من الاحترام، متذكرا عندما كان يقول هذا الأخير للخليفة «أنت منّا يا سلمان»، وهي الجملة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في حق سلمان الفارسي.
أي أن بنكيران يعد الأستاذ محمد الخليفة من شيعته، نظرا للقيم التي يشترك فيها إخوان بنكيران مع جيل الخليفة في حزب الاستقلال، قبل أن يهبط على الحزب جيل آخر يحرص على قيمة واحدة هي التسلق نحو المناصب والسعي وراء الامتيازات.
لذلك فتشمم شباط لرائحة وجبة يعدها بنكيران وباها على نار هادئة لعقد تحالفات مع التيارات الغاضبة في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي جعلته يسرع الخطى نحو دار أبي سفيان التي من دخلها فهو آمن، لقطع الطريق على خصومه الذين يسعون «بلا هوادة» إلى الإطاحة به واسترجاع مفاتيح الحزب منه.

إرسال تعليق

0 تعليقات