عمود "شوف تشوف" الثور الذي سينطحنا



المغرب واحد من الدول التي تعيش أعلى كثيرا من مستواها. أي أننا نصرف أكثر مما نربح, وهذا هو الطريق الأسرع نحو الأزمة.

ومع ذلك فالمدهش أنه في بلاد فقيرة كالمغرب, يقل الدخل الفردي فيها عن نذيره في فرنسا بحوالي 12 ضعفا, نجد أن كلفة الحياة مرتفعة إذا قارناها بكلفة الحياة في إسبانيا أو فرنسا.

فنصيب المواطن المغربي من إجمالي دخل المغرب الداخلي الخام أقل مما هو في تونس والجزائر. أي, بعبارة أخرى, أن المغرب يوجد ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل, حيث لا يتعدى نصيب الفرد من إجمالي الدخل الخام 2520 دولار سنويا, أي حوالي 25000 درهم سنويا.

لدينا واحدة من أضعف نسب الدخل الفردي في العالم, ومع ذلك لدينا أغلى الأسعار على المكالمات الهاتفية في العالم, وأغلى الأسعار في الأدوية في العالم, وأغلى أسعار المساكن في العالم وأغلى أسعار تذاكر الطائرات في العالم.

أليست هذه مفارقة عجيبة.

ورغم التدني الشديد لمستوى الدخل الفردي للمغاربة, فإن المسؤولين المغاربة, المولعين بالنموذج الفرنسي في كلامهم ومظاهرهم, يتجنبون التشبه بهؤلاء المسؤولين الفرنسيين في طريقة تسييرهم للميزانيات المخصصة لهم, ويستمرون في صرف أموال دافعي الضرائب دون اكتراث للأزمة التي شرفت قبل مدة.

حسب الإحصائيات الرسمية التي نشرتها الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك, فالدولة المغربية لديها حوالي 115000 سيارة, منها 38000 دراجة نارية, مقابل أقل من مليون موظف. أي أكثر مما لدى أغلب الدول المتقدمة. فاليابان مثلا, التي تعتبر ثالث قوة اقتصادية عالمية, والتي لديها حوالي خمسة ملايين موظف, ليس لديها أكثر من 3000 سيارة, أي 38 مرة أقل مما دلى الدولة المغربية. أما بريطانيا العظمى فليس لديها أكثر من 3400 سيارة تابعة للدولة, فيما الولايات المتحدة الأمريكية لديها 72000 سيارة تابعة للدولة.

أما فرنسا التي يصل عدد الموظفين لديها إلى 5,3 ملايين موظف, فالدولة الفرنسية ليس لديها في حظيرة سياراتها أكثر من 75000 سيارة.

أما عندنا في المغرب فالوزارات والكتاب العامون والمديرون المركزيون والمندوبون السامون وكبار الموظفين, هم الذين يحتكرون حصة الأسد من سيارات المصلحة, وذلك باستغلالهم لحوالي 57324 سيارة مصلحة. في حين تحتكر الجماعات المحلية 31883 سيارة مصلحة مقابل 25521 سيارة مصلحة بالنسبة إلى الشركات والمؤسسات العمومية.

إن الناتج الداخلي الخام عند الاقتصاديين هو الثروة الحقيقية التي ينتجها كل بلد في الداخل خلال سنة واحدة. وبالنسبة إلى بلد فقير كالمغرب, فإن مستوى الناتج الداخلي الخام السنوي لا يتعدى 81,5 مليار دولار. أما فرنسا, التي يحلو لهم عندنا تقليدها في كل شيء, فقد وصل ناتجها الداخلي الخام إلى 2097 مليار دولار, هذا يعني أن فرنسا تخلق ثروات 25 مرة أكثر مما يخلقه المغرب, بمعنى أن فرنسا أغنى من المغرب بخمس وعشرين مرة.

طبعا, سيقول نزار بركة إن الناتج الداخلي الخام تتحكم فيه أيضا كثافة السكان. فكلما كان عدد السكان مرتفعا كلما ارتفع الناتج الداخلي الخام. ولذلك اخترع الاقتصاديون منطقا آخر لحساب ثروة الدول, وهو تقسيم مجموع الناتج الداخلي الخام على عدد المواطنين, وهكذا نحصل في النهاية على الناتج الداخلي الخام لكل مواطن. ببساطة شديدة, نعرف كم ينتج كل مواطن سنويا من الثروة.

في المغرب, وصل الناتج الداخلي الخام لكل مواطن إلى 2520 دولارا, في مقابل 33600 دولار لكل مواطن فرنسي, علما أن عدد سكان فرنسا يضاعف عدد سكان المغرب.

بعبارة أخرى, فالمواطن الفرنسي أعلى من نظيره المغربي بمعدل 12 مرة.

وما دام مسؤولونا لا يكفون عن التسبيح بحمد فرنسا بمناسبة وبدونها, فليسمحوا لنا بعقد جملة من المقارنات البسيطة, والتي ستفهمون من خلالها أن مشكلة المغرب الحقيقية هي أن مسؤوليه لا يكتفون فقط بالعيش على ظهره, وإنما يصرون على العيش فوق مستواه وطاقته.

إذا كانت فرنسا أغنى من المغرب 25 مرة, والمواطن الفرنسي أغنى من المواطن المغربي 12 مرة, فإن المنطق الاقتصادي السليم يقول إنه إذا كان الحد الأدنى للأجور في فرنسا هو 1200 أورو في الشهر, فإن الحد الأدنى للأجور في المغرب يجب أن يكون أقل من ذلك 12 مرة, بحيث لا يتعدى 100 أورو. عندما نحاول التأكد من هذه الفرضية, نجد أن الحكومة المغربية ملتزمة بهذا المنطق الاقتصادي السليم إلى أبعد الحدود.

فبالنسبة إلى شعب ""المزاليط" ليس هناك مجال للعبث الحكومي بالقواعد الاقتصادية. فالحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة لا يتعدى سقف 1800 درهم.

لكن المشكلة أنه في فرنسا يشكل الحد الأدنى للأجور عشرة في المائة من قيمة أعلى راتب في لائحة رواتب موظفي الدولة. مثلا, إذا كان الحد الأدنى للأجور هو 1200 أورو فإن أعلى راتب في الوظيفة العمومية لا يجب أن يتعدى 12000 أورو. ولذلك فالوزير الأول الفرنسي يتوصل كل شهر براتب لا يتعدى 22000 أورو, بمعنى أنه يتقاضى "السميك" مضاعفا ثماني عشرة مرة.


أما عندنا في المغرب, الذي يعتبر, حسب الأرقام الرسمية, أفقر 25 مرة من فرنسا, فراتب رئيس الحكومة لا يجب أن يتعدى 20 ألف درهم. لكنه في الحقيقة يصل إلى 120 ألف درهم, بمعنى "السميك 120 مرة".

وبالنظر إلى مستوى العيش الحقيقي للمغرب مقارنة بمستوى العيش الحقيقي لفرنسا, فرئيس حكومتنا يتقاضى راتبا أكبر ست مرات من الوزير الأول الفرنسي.

هذا بخصوص رئيس الحكومة, فماذا بخصوص بقية الوزراء؟

على مدى تاريخ الحكومة المغربية كله, لم يسجل استغناء أكثر من ثلاثة وزراء عن رواتبهم وقبولهم الاشتغال في الحكومة مجانا والاستغناء عن سكنها الوظيفي وسيارات خدمتها. أما الباقون فجميعهم يتوصلون برواتبهم كاملة, حوالي مائة منهم غادروا الحكومة وما زالوا يتقاضون 38 ألف درهم كتقاعد.

يتقاضى كل وزير من وزراء الحكومة 70 ألف درهم راتبا شهريا. ولديهم مساكن عبارة عن فيلات, بعضها مجهز بمسبح, ومستخدمون في المطبخ والحراسة وتربية الأبناء وسائقون وحظيرة من سيارات الخدمة من نوع "ميرسيديس كلاص سي" و"بي إم دوبل في", وتعويضات عن التنقل والسفر غير محدودة.

في فرنسا, خامس أقوى دولة في العالم والعضو في مجموعة الثمانية التي تضم أغنى دول العالم, يتقاضى الوزير 13 ألف أورو. وليس له الحق سوى في سائق واحد وسيارة خدمة واحدة, لا حق للسيدة "حرم" الوزير في استعمالها للذهاب إلى "الصونا" أو "الكوافورة", كما لا حق له هو نفسه في استعمالها خلال العطلة أو خلال نهاية الأسبوع. أما السكن, فليس هناك مجال للحديث عن الفيلا ولا عن المسبح ولا عن الخدم والحشم. السكن الوحيد الذي من حق الوزير الفرنسي هو مقر إقامته داخل وزارته إذا كان متوفرا, وإذا لم يكن ذلك ممكنا تصرف له الدولة تعويضا لكي يكتري منزلا شريطة ألا تتعدى مساحته 80 مترا مربعا, وفي حالة توفره على أبناء, تمتعه الدولة بعشرين مترا مربعا إضافية, وهي المساحة التي يخصص بعض الوزراء والمسؤولين عندنا ضعفها لكلب الحراسة في قصورهم الفسيحة.

أما بخصوص الوزير الأول الفرنسي, فعنوان سكنه هو قصر "ماتنيون" الجمهوري, وهو في الآن ذاته مكتبه الرئاسي. لديه في حوزته سيارة من نوع "سيتروين س6". ليس هناك مجال للحديث عن "مرسيديس" ولا عن "جاغوار" ولا عن "بي إم دوبل في" أو "ليكسيس". أما بقية الوزراء فيركبون جميعهم على سيارات من نوع "بوجو 607".

وإذا طبقنا المنطق الاقتصادي الذي يقول إن موظفي الحكومة والبرلمان يجب أن يتقاضوا رواتب تتناسب مع الناتج الداخلي الخام لكل مواطن, وإذا كان البرلمانيون الفرنسيون يحصلون على 6900 أورو شهريا فبرلمانيونا, الذين بالمناسبة يغيب ثلاثة أرباعهم عن البرلمان طيلة السنة, يجب أن يحصلوا على 7000 درهم لا غير, أي أقل من نظرائهم الفرنسيين بمعدل 12 مرة, ببساطة لأن فرنسا أغنى من المغرب 12 مرة.

وليس المغرب الرسمي وحده من يعيش فوق مستواه وقدراته, بل حتى الخدمات المقدمة إلى شعب الفقراء من المغاربة لا تحترم مستوى الناتج الداخلي الخام لكل مواطن. وإذا كان ثمن كراء شقة في باريس يساوي 1200 أورو, فإنه في الدار البيضاء لا يجب أن يتعدى 100 أورو, أي حوالي 1100 درهم. وإذا كان هناك سفر سياحي من باريس إلى مراكش لخمسة أيام بثمن لا يتعدى 600 أورو, ففي المغربي لا يجب أن يتعدى 600 درهم.

وإذا كانت زيارة الطبيب في فرنسا تكلف 24 أورو, فإنها في المغرب لا يجب أن تتعدى 2 أورو, أي 20 درهما لا غير, وفوق هذا يجب أن تعوضها شركة التأمين.

هذه أمثلة لكي تروا بوضوح أن تكلفة العيش في المغرب باهظة جدا وتنافس تكلفة العيش في الدول الغنية. هذا في الوقت الذي يحتل فيه المغرب الرتبة 130 في سلم التنمية البشرية عالميا, السلم نفسه الذي تحتل فيه فرنسا المرتبة 12.

على الجميع أن يفهموا أنه لتفادي الدخول في الحائط, فقد حان الوقت لكي يعيش المغرب بقدر إمكانياته وبقدر الثروة التي ينتجها, لا القروض التي يستوردها.

وإلا فإن الثور الذي سينطحنا "مزال كيرجع باللورانية".

إرسال تعليق

0 تعليقات