عمود "شوف تشوف" شي مشكل ما كاين



في تعليقه على اتصال زميل صحافي به لأخذ وجهة نظره حول خبر امتناعه عن دفع 100 درهم من أجل إدخال والدته لتلقي العلاج في أحد المستشفيات العمومية, قال سعادة الوزير ساخرا "الحمد لله أن الأمر يتعلق بمائة درهم وليس بمبلغ كبير".


أما القيادية في حزب العدالة والتنمية, سمية بنخلدون, فقد قالت جوابا على سؤال حول توقيفها للقطار في تمارة, بسبب سهوها عن النزول في الرباط, رغم أن القطار لا يتوقف في هذه المحطة, إن ما قامت به عندما ترجت المراقب لكي يوقف القطار في تمارة بسبب مواعدها الكثيرة في المكتب, يعتبر شيئا عاديا جدا ولا يستحق أن تثار حوله كل هذه الضجة الإعلامية. قبل أن تضيف "فوجئت بتوقف القطار وبالاستجابة إلى طلبي, فأين المشكل"؟


المحامي والبرلماني الإدريسي الذي ينتمي إلى فريق العدالة والتنمية في البرلمان, قال جوابا على سؤال حول ضرورة استعماله لسلطته كبرلماني داخل المؤسسة التشريعية وليس في الشارع, "في الحالة التي رأيت فيها القوات العمومية تجر معطلا, في خرق سافر للقانون, "ما عندي ما ندير فالبرلمان", لأن طبيعة عملي بصفتي محاميا وحقوقيا وبرلمانيا, تفرض على التدخل".


وزير الشؤون العامة والحكومة, محمد نجيب بوليف, قال في "نادي ليكونوميست" إن سرقة مقر حزب العدالة والتنمية استهدفت القرص الصلب والوحدة المركزية لحاسوب وأقراص مدمجة تتضمن وثائق محاسباتية. وأن "اللصوص" فتحوا باب المقر باحترافية ودون تكسير, وأن الحراس الخاصين المعتمدين من طرف الحزب من أجل تأمين حراسة المقر, أكدوا أنهم لم يرقبوا أي شخص ولم يتمكنوا من كشف عملية الاقتحام.


وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة, مصطفى الخلفي, قال في برنامج حواري بالقناة الأولى أن الحكومة سائرة في طريق الانجازات وتحقق الخير والنماء للشعب بفضل خطاب الحقيقة الذي تتبناه. قبل أن ينفعل ويضرب على الطاولة بقبضة يده, متحدثا عن وجود جهات نافذة تعارض التوجهات الحكومية في الإصلاح, وذهب إلى حد القول إن هناك أشخاصا ينتمون إلى هذه الجهات يجلسون حول طاولة الحوار معه.


هذه الخرجات الإعلامية كلها يجمع بينها رابط واحد, وهو أن الأشخاص والمسؤولين الذين صدرت عنهم لم يستوعبوا بعد وضعهم الجديد كأعضاء في الأغلبية الحكومية. مما يعني أن خطابهم وتصريحاتهم يجب أن تكون موزونة لأنها تصريحات مسؤولة, أي تترتب عنها مواقف قد لا تكون أحيانا في صالح مطلقيها.


وبالنسبة للوزير الكروج الدي رفض أداء مبلغ 100 درهم في المستشفى العمومي من أجل استفادة والدته من العلاج بحجة أن التطبيب أصبح مجانيا في المغرب, فهذه مغالطة كبيرة ارتكبها الوزير. فالتطبيب لم يكن مجانيا من قبل, فهذه مجرد كذبة كبيرة, وكل من يريد اليوم أن يستفيد من الخدمات الطبية بشكل مجاني يجب أن يكون معوزا. وليس هذا فحسب, يجب أن تتوفر والدة السيد الوزير على بطاقة "راميد" تثبت" حالة العوز, وبدون الإدلاء بهذه البطاقة يصبح المريض مجبرا على دفع مبلغ 100 درهم, إضافة إلى التكاليف الأخرى التي تخرج من "الجنب".


فهل أدلى السيد الوزير ببطاقة "راميد" لموظفة الاستقبال بالمستشفى لكي يعفي نفسه من 100 درهم كما يصنع كل المغاربة؟


صحيح فالمبلغ يتعلق لحسن الحظ فقط بمائة درهم, كما علق السيد الوزير سـاخرا, لكن المسألة ليست مسألة متعلقة بقيمة المبلغ, بل بالسلوك في حد ذاته. أي بمدى احترام الوزير للقوانين الجاري بها العمل في المؤسسات الصحية العمومية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان عبد العظيم الكروج سيتمكن من إدخال والدته إلى المستشفى العمومي دون دفع 100 درهم لو أنه كان مواطنا عاديا ولم يكن وزيرا؟


كثيرون قبله جربوا وظلوا مرميين أمام أبواب المستشفيات, ومنهم من مات دون أن يفلح في ولوج باب المستشفى لمجرد أنه لا يملك ثمن الدخول.


أما القيادية سمية بنخلدون, التي لا أحد يشك في حسن نيتها وهي تطلب من المراقب أن يوقف القطار في المحطة التي لا يتوقف فيها عادة, والتي تساءلت بكل براءة أين يوجد المشكل في هذه القضية التي لم تستغرق سوى دقيقة واحدة, فيبدو أن سمية بنخلدون المعروفة بجديتها وصرامتها لم تستوعب فداحة هذا الطلب.


في كل دول العالم لا تتوقف القطارات سوى في المحطات التي تبرمجها الإدارة وفق مواقيت مضبوطة ومحددة, إذ تسير وتيرة عشرات القطارات بشكل متناسق يجنب وقوع حوادث أو اصطدامات.


وكم من مسافر يأخذه النوم أو السهو ويفوته النزول في المحطة التي يريد فيجد نفسه مجبرا على انتظار المحطة المقبلة للقيام بذلك. ولم نسمع أن مسافرا أوقف القطار في محطة غير موجودة في برنامج مساره فقط لأنه مشغول ووقته لا يسمح له بانتظار وصول القطار إلى محطته.


إن المسألة هنا لا تتعلق بكون مدة التوقف دامت دقيقة أو ساعة, بل إن المسألة مسألة مبدأ في العمق. لماذا سيتوقف القطار في محطة غير موجودة في مساره المبرمج سلفا؟ وماذا لو ترتب عن ذلك, لا قدر الله, اختلال في السير العادي للقطارات؟


ثم هل كان المراقب سيوقف القطار في محطة غير مبرمجة لو تعلق الأمر بمواطنة عادية لا تتحمل مسؤولية داخل الحزب الحاكم, ولا يوجد وزير منتمي إلى حزبها على رأس وزارة النقل والتجهيز التي يوجد المكتب الوطني للسكك الحديدية تحت إمرته؟


وهل يعطي القانون الداخلي للمكتب الوطني للسكك الحديدية الحق لسائق القطار بالتوقف في محطة غير مبرمجة في مساره, في حالة ما إذا طلب مسافر ذلك؟ هل تحولت القطارات إلى سيارات أجرة ؟


فالتوقف غير المبرمج للقطارات يكون في حالات خاصة جدا منها حالة الطوارئ أو لإسعاف مريض. ولا يكون أبدا لتدارك الوقت الضائع لمسافر فاته, بسبب سهوه, النزول في محطته.


إن ما قامت به السيدة سمية بنخلدون سلوك خاطئ, وكان عليها أن تعتذر عنه, وهذا لن يزيدها سوى احترام وتقدير في عيون الشعب. أما أن تكتفي بالتساؤل عن مكمن المشكل في هذا الأمر, فهذا يدل على أن هناك نزوعا نحو استسهال مثل هذه السلوكيات التي تفتح الباب أمام استغلال المنصب والوضع الاعتباري لقضاء مصالح حزبية ضيقة.


لكن يبقى تصريح السيدين بوليف والخلفي, الأول حول السرقة غير العادية لمقر الحزب (كما لو أن هناك سرقة عادية), والثاني حول مراكز النفوذ التي تعيق الإصلاح. من أكبر الأدلة على وجود العفاريت التي يتحدث عنها رئيس الحكومة. فلكي تتسلل في جنح الظلام داخل مقر أكبر حزب في المغرب بوسط العاصمة دون أن يراك الحراس وكاميرات الحراسة المزروعة حول المقر, يجب فعلا أن تكون عفريتا من الجن.


كما أنه لكي تكون وزيرا ناطقا رسميا باسم الحكومة, تجلس يوميا إلى جانب وزير الداخلية الذي يتحكم في الأجهزة الأمنية, وإلى جانت رئيس الحكومة, ثم تأتي للحديث عن مراكز نفوذ تعرقل الإصلاح, فيجب أن تكون فعلا متشبعا بنظرية الأشباح والعفاريت التي اخترعها بنكيران.


و المدهش في هذا الموضوع أن الوزير الخلفي ورئيس الحكومة, بالإضافة إلى بقية أفراد الحكومة, ينسون أنهم اليوم هم من يشكلون مركز النفوذ في المغرب. على الأقل هذا ما يقوله الدستور. لكن يبدو أن عادة إدخال كائنات الماورائيات في السياسة يعطي أكله, ولذلك هناك إقبال على هذه العادة من طرف وزراء العدالة والتنمية, لأن ذلك يجنبهم مواجهة العفاريب التي يعرفونها حق المعرفة وجها لوجه.


أما البرلماني الإدريسي الذي تعرض بكل أسف للاعتداء على أيدي أفراد من قوات الأمن, فمنطلقات دفاعه حسنة النية, لكن عناصر دفاعه ضعيفة, خصوصا أنه يمنح نفسه الصفة الضبطية التي لا يتوفر عليها. فعندما يقول إن طبيعة عمله كبرلماني وكحقوقي وكمحام تفرض عليه التدخل لمنع تعنيف المعطلين, فهو يعطي لنفسه الحق بالتدخل في عمل قوات الأمن في الشارع العمومي, بينما لا أحد مخول إليه القيام بهذه المهمة سوى عناصر الأمن بكل أسلاكها. فالشارع مكان للجميع وضبطه موكول إلى المؤسسات الأمنية لا إلى ممثلي الأمة, فهؤلاء يبقى مكان تدخلهم تحت قبة البرلمان عن طريق سن التشريعات وإنشاء لجان تقصي الحقائق حول تجاوزات المؤسسات الأمنية. كما أن معاقبة العناصر الأمنية وحتى إقالة وزير الداخلية تبقى صلاحيات يتمتع بها رئيس الحكومة, ويمكن أن يلجأ إليها في هذه الحالة. لكن عندما نسمع رئيس الحكومة يشتكي من عدم تمرير تصريحاته في القناة الثانية نفهم أن من لا يستطيع إقالة مديرة في التلفزيون كيف له أن يقيل وزيرا بحاله؟


إن جوهر الإشكال في ما قام به برلماني العدالة والتنمية عندما تدخل لمنع رجال الأمن من تعنيف المعطل, هو أنه ضرب مبدأ فصل السلط في العمق. فالمؤسسة التشريعية تراقب المؤسسة الأمنية وتنتقدها وتحاسبها ولكنها قطعا لا تأخذ مكانها. وإذا كان لدى أعضاء الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية كل هذه الحرقة على المعطلين, فليس أمامهم سوى إقناع رئيسهم في الحكومة وأمينهم العام في الحزب بتطبيق محضر الالتزام الذي وقعه مع المعطلين الوزير الأول السابق عباس الفاسي والقاضي بتشغيلهم بدون مباراة.


عندما يتعلق الأمر بمقررات وزارية مثل هذه يشهر رئيس الحكومة عدم وجود ما يبرر استمرارية تطبيق الاتفاقيات الحكومية السابقة. لكن عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الأزمة فكل ما يجد لكي يبرر حدتها هو التركة الثقيلة التي خلفتها له الحكومـات السابقة.


فالاستمرارية خطاب يتم اللجوء إليه عندما "يسلك" الحكومة. أما عندما لا يكون في صالحها فهي تتنصل منه.

إرسال تعليق

0 تعليقات