عمود شوف تشوف عدد الأربعاء 21 ماي 2014



التقرميع


أهمية التحقيق الذي باشرته الأسبوع الماضي وزارة العدل بخصوص الاتهامات المسجلة التي وضعها موظف بالوزارة بين يدي مصطفى الرميد قبل سنة، تكمن في كون السلوك الذي قام به هذا الموظف يدخل في إطار الاستجابة للدعوة التي أطلقها وزراء العدالة والتنمية، ومنهم الشوباني والرميد بخصوص ضرورة توثيق الفساد بالهاتف أو بأية وسيلة أخرى وتقديم ذلك للسطات المختصة لكي تحقق فيه. حتى أن الرميد توعد المفسدين والمرتشين بخط أخضر.
ما نخشاه هو أن يتحول هؤلاء الموظفون والمواطنون الذين يبادرون إلى توثيق ما يعتبرونه فسادا إلى متهمين، وبالتالي يحدث لهم ما حدث للموظف الذي سرب وثيقة علاوات مزوار وبنسودة حيث أدين قضائيا رغم أن رئيس الحكومة هاجم مزوار بسبب هذه العلاوات واعتبر ما قام به فسادا، قبل أن يدعوه إلى بيته لشرب الحريرة ودخول الطبعة الثانية من حكومته.
هكذا انتهى مزوار وزيرا في الحكومة وانتهى موظف المالية متابعا أمام القضاء ممنوعا من دخول مكتبه.
ويبدو أن الأمور ستسير في هذا الاتجاه أيضا بخصوص موظف وزارة العدل الذي تجرأ على إماطة اللثام عن موضوع لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، بما في ذلك وزير العدل، وهو موضوع التجهيز بوزارة العدل والصفقات المرتبطة به.
فمن شدة عجز رئيس الحكومة عن معاقبة المفسدين أصبح يعاقب كل من يجرؤ على كشف الفساد، ومن كثرة جبنه عن مواجهة التماسيح والعفاريت بأسمائها الحقيقية وبوجه مكشوف فإنه يواجه الصحافة ويسمي الصحافيين ويتعارك معهم حتى يشيع جوا من الرعب في قلب كل من تسول له نفسه إحراجه بملفات الفساد. فالرجل رفع شعار «عفا الله عما سلف» ولا يريد أن يوضع في حرج مع الرأي العام فيظهر بمظهر العاجز عن محاربة الفساد.
ولذلك أشهر عصاه الغليظة في وجه كل من يحاول إحراجه بتذكيره بشعاره السابق «معا من أجل إسقاط الفساد والاستبداد»، حتى أن وزير الحكامة محمد الوفا قال إن كل من تجرأ على الاقتراب من ساحة رئيس الحكومة فإن هذا الأخير «غادي يقرمعو». وهكذا نكون قد دخلنا عصر «التقرميع» من أوسع أبوابه.
ولعل قلة من المتتبعين انتبهت إلى أن بيان وزير العدل الذي أعلن فيه بدء التحقيق حول التسجيلات، التي أمده بها الموظف قبل سنة دون أن يفتح حولها أي تحقيق، تطول الفترة الممتدة ما بين 2008 و2011، أي الفترة التي لم يكن فيها مصطفى الرميد وزيرا للعدل والحريات. بعبارة أخرى فالفترة المشمولة بالاتهام هي فترة الاتحادي عبد الواحد الراضي من 2007 إلى غاية 2010، والراحل محمد الناصري من 2010 إلى 2012.
علينا أن نتذكر أن مدير التجهيز وتدبير الممتلكات بوزارة العدل في الفترة الممتدة ما بين سنة 2008 و2011 لم يكن سوى محمد «الأمين» مولين، الذي طرده وزير العدل الراحل الناصري بعدما اكتشف ما يزكم الأنوف، خصوصا تلك الصفقات التي تم تفويتها للشركة التي أنشأها مولين مع ابن بوزوبع وزير العدل الراحل لتجهيز محاكم المملكة بالحواسيب والأجهزة الإلكترونية.
ومن غرائب الصدف أن مولين بعدما غادر وزارة العدل سالما بجلده عاد إلى وكالة المغرب العربي للأنباء الأم حيث حصل على التقاعد منها. ولأن الرجل «ضلعة» فقد بقي في وكالة الأنباء بعدما نادى عليه «باك الهاشمي» لكي يشغل منصب المدير التنفيذي لجمعية «مؤسسة وكالة المغرب العربي للأنباء».
فقد قرر الهاشمي أن يجعل من الرجل مستشارا يستفيد من خبراته التي راكمها بوزارة العدل، خصوصا أن جمعية «مؤسسة وكالة المغرب العربي للأنباء» التي أسسها الهاشمي بعد إقباره لجمعية الأعمال الاجتماعية، ليستولي بذلك على الدعم المخصص للأعمال الاجتماعية والتكوين والمقدر بحوالي 800 مليون، محتاجة إلى رجل يفهم في الصفقات وخباياها. خصوصا أن الجمعية مدنية مستقلة عن الدولة، تخضع لقانون الجمعيات، وبالتالي لا تخضع للمراقبة القبلية لوزارة المالية أو لقانون الصفقات العمومية.
وقد كانت أول المهام التي أوكلها الهامشي إلى مستشاره مولين هي تفويضه لإدارة وإنجاز صفقة بناء مقر «مؤسسة لاماب» بحي الرياض، ليعمدا إلى أخذ قرض بنكي قيمته 11.4 مليون درهم، خصصا منها 7.2 مليون درهم من أجل اقتناء الوعاء العقاري والباقي من أجل البناء.
ولعل الأكثر إثارة في الموضوع هو الهاشمي ومولين أخذا القرض بضمان «وكالة المغرب العربي للأنباء»، وهذا طبعا دون علم مسؤولي وزارة المالية.
وبما أن جمعية «مؤسسة لاماب» تعنى أيضا بالتكوين فقد أحسن الهاشمي تقسيم المهام عندما أوكل إلى الوكالة مهمة جرد احتياجات التكوين، فيما أوكل إلى جمعيته ممثلة في «الأمين» مولين تنفيذ مشروع التكوين. والسؤال الذي يؤرق بال كثيرين هو لماذا يلهث الهاشمي وراء المشاريع الكبرى التي تكلف ملايين الدراهم تحت غطاء «مؤسسة لاماب»؟ وهل لانعدام الرقابة على مشاريع «المؤسسة» يد في ذلك؟
مثل هذه الأسئلة لا يستطيع الهامشي أن يجيب عنها، فهو يفضل الإجابة على الأسئلة التي تتغنى بموهبته الخارقة في مجال التسويق وبروح التضامن والتكافل إزاء زملائه. وهذا ما أكده في حوار صحافي مع المجلة التي كان يشتغل فيها قبل أن يغادرها، حين أكد في رده على السؤال الثاني بأنه ضاعف رقم معاملات الوكالة في سنتين. وأعلن في رده على السؤال الأخير عن تضامنه الواسع مع الصحافة المغربية بسبب نقص مداخيل الإشهار.
هنا نكتشف أن الرجل عاد إلى هوايته القديمة، أي هواية تضخيم الأرقام، خصوصا عندما صرح في عرض له أمام المجلس الإداري المنعقد بتاريخ 24-12-2013 ، برئاسة الوزارة الوصية التي يقودها مصطفى الخلفي، عزمه رفع رقم معاملات الوكالة إلى 44 مليون درهم خلال سنة 2014، أي بزيادة 15 في المئة.
ونستنتج بعملية حسابية بسيطة أن الهاشمي حقق في سنة 2013 رقم معاملات ناهز 38.2 مليون درهم. إلا أن تقرير مكتب تدقيق الحسابات لسنة 2012 كان قد أشار إلى أن رقم معاملات الوكالة ناهز 24 مليون درهم فقط، والذي بمضاعفته نحصل على 57.2 مليون درهم، وهو رقم بعيد كل البعد عن 38.2 مليون درهم الذي حققته الوكالة في سنة 2013. وبالتالي يظهر جليا مستوى التدليس والكذب اللذين يمارسهما الهاشمي تجاه القراء والمهتمين.
ولعل الفضيحة الكبرى في تقرير مكتب تدقيق الحسابات هو أنه خلص إلى أن الوكالة في وضعية غير سليمة مع إدارة الضرائب، بحيث أنها تأخذ الدعم من الدولة ولا تؤدي عنه الضريبة على القيمة المضافة. والكارثة العظمى هي أن السيد مصطفى الخلفي الحريص على تطبيق القانون مرر هذا الحساب الإداري، بوصفه رئيس مجلس الإدارة، وهو يعرف أنه في حالة مراجعة ضريبية فإن الوكالة ستكون معرضة للمساءلة ودفع ما مجموعة 118.13 مليون درهم، دون الحديث عن الغرامات المستحقة عن التأخير.
ويبدو أن الخلفي استطاب خرق القانون، فبالإضافة إلى موافقته على الحساب الإداري للوكالة رغم تحذير مكتب تدقيق الحسابات، أعطى للكاتب العام لوزارة الاتصال صلاحية توقيع وثائق تخص الوزارة بما فيها الصفقات، وهي الصفقات التي ستكون ملغاة ولن تحصل على موافقة وزارة المالية بسبب الخرق القانوني المتعلق بمسطرة تعيين الكاتب العام موقوف الراتب من طرف الخزينة العامة، كما أن المرشحين الذين لم يتم اختيارهم قد يرفعون دعاوى قضائية ضد وزير الاتصال الذي سمح بتقلد موظف سابق استفاد من تعويض المغادرة الطوعية منصب كاتب عام للوزارة. 
وكما لا يخفى على كل مار بالقرب من الوكالة أن الهاشمي أطلق منتوجه الجديد الذي سماه MAPSCREEN أو «شاشة «لاماب» الضخمة لـ«حرق» القصاصات التي يبيعها بالمقابل لوسائل الإعلام، ولتسويق إعلانات الشركات، وبالتالي منافسة الإعلام الورقي والإلكتروني في مجال الإشهار. هكذا يظهر لنا زيف خليل الهاشمي الإدريسي في حواره الصحافي الذي تباهى فيه بتضامنه المطلق مع الجرائد الوطنية بخصوص أزمة الإعلانات وباستعداده الدائم لتقديم يد المساعدة للقطاع. فكيف سيساعد القطاع وهو يريد منافسه بأسعار تفضيلية؟
فهل ستمتد المحاسبة إلى أمثال هؤلاء الموظفين الذين يختبئون في الجمعيات من أجل صرف المال العام بعيدا عن أعين وزارة المالية، أم أن المحاسبة ستقتصر فقط على الموظفين الذين يتجرؤون على كشف الفساد والاستعانة بالصحافة لإيصال صرختهم؟

إرسال تعليق

0 تعليقات