مقال صبرا آل غزة رشيد نيني






يا أهل غزة 


لا تحزنوا فنحن معكم في المحنة عبر الفضائيات العربية والدموع الاصطناعية 


نشاهدكم على مدار اليوم والليلة 


نشاهد أشلاءكم الموزعة بين مذيعي نشرات الأخبار بالقسطاس 


نتابع قوافل أرواحكم الصاعدة إلى السماء نحو خالقها على الهواء مباشرة 


لا تخافوا، نحن معكم، لكن إلى حدود منتصف الليل، عندما تنتهي النشرات الإخبارية المباشرة 


بعدها يكون علينا أن نترككم لدوي القذائف ونذهب إلى أحضان زوجاتنا 


نتخلى عنكم بين أحضان طائرات عملاقة تضمكم تحت جناحيها بحنان مخيف 


يا أهل غزة 


من أجلكم مشينا آلاف الكيلومترات في مسيرات جابت كل شوارع البلاد 


حررنا معاقلكم واجتزنا بحركم دون أن نكلف جماهيرنا الغفيرة شهيدا واحدا 


نحارب إلى جانبكم بالشعارات العابرة للقارات 


نقاتل في صفكم بالأناشيد الانشطارية والملاحم العنقودية 


من أجلكم نحن مستعدون لتجريب كل أسلحتنا اللغوية المحظورة للدفاع عن شرفكم المهدور 


اطمئنوا يا أهل غزة، لا تفزعوا، اخفضوا أسلحتكم، نحن نيران صديقة ومنصات إطلاق ألسنتنا الطويلة موجهة نحو صدور أعدائكم، وبإذن الله سنسقطهم بالخبطة القاضية، عفوا، بالخطبة القاضية... 


استمروا في الصمود، وإذا احتجتم إلينا افتحوا شاشات تلفزيوناتكم وسترون كيف نسير مثل المجانين في كل الشوارع حاملين مجسمات لأطفالكم القتلى 


سترون كم نحن غاضبون لأجلكم وقلقون على مصيركم إلى درجة أننا نضحي بعطلة يوم الأحد للسير في الشوارع والساحات دفاعا عنكم... 


يا أهل غزة 


كلنا في صف واحد إلى جانبكم 


صواريخنا الذكية جاهزة للانطلاق، سنسمي هذه الحرب عملية «الجرف الهامد» ضدا على عملية «الجرف الصامد»، سنعبر لكم عن تضامننا المطلق وغير المشروط في هذه المحنة، سنعبر بكل حرية عن مشاعر الغضب الذي تتطاير شظاياه ممزوجة بلعابنا الذي يتناثر مع الشعارات الرنانة في الشوارع. 


من أجلكم اخترعنا حرب الشوارع، أصبح كل تيار سياسي يقصف التيار الذي بجانبه، وأصبح كل حزب يرفع الشعار الذي يناسبه نكاية بالحزب الذي يسير أمامه... 


من أجلكم اخترعنا المسيرة التضامنية متعددة الرؤوس، كل رأس يقوده زعيم نووي. 


إننا متيقظون عن آخرنا في هذا الظرف الحرج، متيقظون بعد الثامنة صباحا، ومجندون لقراءة أخبار الجبهة في الجرائد اليومية التي تنقل إلينا جثث أطفالكم إلى غاية مائدة إفطارنا الصباحي. 


بعدها نتفرغ لفك الكلمات المسهمة، حصتنا اليومية من التدريب على الرماية بالسهام من أجل تمرين أنفسنا على قتل الوقت بشكل جيد. 


يا أهل غزة 


بوسعكم الاعتماد علينا في هذه الأوقات العصيبة، فالأخ يعرف أخاه في الشدائد كما في المسرات، وأنتم عرفتمونا في المسرات وآن لكم أن تعرفونا في الشدائد. 


عرفتمونا عندما كان يطير زعماء أحزابنا ومثقفونا لينزلوا ضيوفا على الموائد المستديرة في بغداد حيث تناقش قضيتكم، وليعودوا محملين بالهدايا وروائح النفط، مرتاحين إلى أن حساباتهم البنكية تسمن على مهل. 


عرفتمونا عندما كانت العراق خامس قوة عسكرية في العالم وكنا نحن وجميع العرب والمسلمين من حولنا أضعف من أن ندافع عن أنفسنا فبالأحرى أن نذهب في حرب، عرفتمونا أخوة لكم نلبي الدعوات السخية كلما دعت الضرورة الشعرية لذلك، عرفتمونا عندما كان مثقفونا يعرفون حانات بغداد أكثر مما يعرفون حاراتهم، والآن آن لكم أن تعرفونا في الشدة. 


يا أهل غزة 


أنينكم يصلنا بانتظام عبر الأثير 


اعذرونا لم نستطع أن نأتي جميعنا فأرسلنا إليكم بممثلين عن أحزابنا وبمراسلين يتكلفون بنقل أخباركم إلينا أول بأول 


وقريبا سنبعث بوزراء خارجيتنا إلى جامعة الدول العربية لكي يقوموا بواجب العزاء في الأرواح التي سقطت دفاعا عن الشرف... 


فلا تغضبوا بسبب هذا الصمت المطبق الذي يرافق توزيع أشلاء أطفالكم 


ولا تهتموا لكل الذين يساوونكم بالعدو الغاصب المحتل 


فأنتم أصحاب حق، والله مع الحق ومع الصابرين... 


فيا إلهي هؤلاء فلسطينيوك تخلى عنهم الجميع 


فأرسل إليهم جنودا من عندك يقاتلون معهم 


أرسل ملائكتك لتغطي بأجنحتها غرف نوم الأطفال 


أرسل أمطارك الطوفانية لتجرف دبابات العدو وطيرك الأبابيل لتحجب الرؤية عن مقاتلاتهم الجوية 


يا إلهي 


لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا 


فأنت أعلم بحالنا منا 


فلا رأي لمن لا قوة له 


ولا حول ولا قوة إلا بك...

إرسال تعليق

0 تعليقات