إليكم عمود "مالین الكار"


كما توقعنا تماما، ذھب بلاغ وزارة العدل نحو تحمیل مسؤولیة فاجعة طانطان لسائق الحافلة، وتبريء الحافلة والطريق والشاحنة. انتھت الحكاية، نقطة إلى السطر. إذا كان التحقیق قد نجح في إخراج حافلة الملیاردير عثمان بنجلون من مسؤولیة الحادثة مثل الشعرة من العجین، فإن ھذه الفاجعة يجب أن تجعلنا نفتح أعیننا جیدا على ملف «الكیران»، خصوصا تلك التي تشتريھا الجامعات المغربیة من الشركة المغربیة للنقل واللوجستیك «SNTL» التابعة لوزارة النقل والتجھیز، والمسؤولة قانونیا عن تدبیر حظیرة سیارات الدولة منذ 1977، والتي يصل تعداد عرباتھا إلى 139 ألفا و415 سیارة. فقد ظھر أن بعض الجامعات المغربیة تشتري حافلات مستعملة على أساس أنھا جديدة، وتدفع مقابلھا يكتشف الطلبة والأساتذة أنھم يستعملون حافلة تلیق بـ«لافیراي» ولیس بالسفر. وإلى حدود الیوم ظھر أن الجامعات المعنیة بھذه الكارثة ھي جامعة شعیب الدكالي بالجديدة، جامعة الرباط، جامعة طنجة وجامعة المولى إسماعیل بالرشیدية. وھكذا فالشركة المغربیة للنقل واللوجستیك، المفروض فیھا ترشید تدبیر عربات الدولة، أصبحت تبیع أو تشرف على بیع، حافلات «بونوكازيون» للجامعات على أساس أنھا حافلات جديدة بدقة للنیف. قصة حافلة جامعة المولى إسماعیل بالرشیدية، كلیة العلوم والتقنیات، بدأت سنة 2012 عندما بدأت الكلیة الخطوات الإدارية للحصول على ھذه الحافلة، وقد حصلت فعلا على المیزانیة والترخیص سنة 2013، ووصل المبلغ المخصص لاقتناء الحافلة إلى 172 ملیونا. رئاسة جامعة المولى إسماعیل أشرفت على إعداد ملف الصفقة وراسلت الشركة الوطنیة للنقل واللوجستیك لھذا الغرض. سنة 2014 وصل «الكار» من نوع «مرسیديس» إلى باب الكلیة. ومع «الھبطة» ظھرت علیه علامات «لافیراي»، وأول شيء ظھر على «الكار» ھو سیلان زيت المحرك وتسرب الدخان، كما ظھر من خلال شكل لوحة القیادة أن طرازھا قديم و«غیر ملبقة»، ما دفع مسؤولین بالكلیة إلى وضع فرضیة كون الحافلة قديمة وتم إصلاحھا وبیعھا للجامعة، عن طريق شركة النقل، على أساس كونھا حديثة. ومن بین الأمور المريبة التي رصدت في الحافلة، قبل تعطلھا بصفة نھائیة، ھو حالتھا المزرية التي تؤكد أنھا استعملت مدة طويلة قبل اقتنائھا ونقلھا إلى الجامعة على أنھا حافلة جديدة، بعدما اقتنتھا الشركة الوطنیة للنقل واللوجستیك بـ ملیون سنتیم في حین أن كلفتھا الحقیقیة لا تتجاوز 60 ملیون سنتیم، ومن بین الأمور التي ظھرت في البداية اھتراء أجزاء بالحافلة فضلا عن بروز أمارات تغییر سابق لقطع غیار بھا. وقد كانت فضیحة ھذا «الكار» ستمر «حسي مسي» لولا أن تغییرا حدث على رأس رئاسة الجامعة، بعد ذھاب الرئیس السابق، الذي راسل الشركة حول اختلالات «الكار» وتوصل برسالة تفید بأن الأمر طبیعي، وأخذ الرئیس الحالي مكانه والذي قرر «نفي» الحافلة إلى مكناس حیث رئاسة الجامعة، مع تقديم اقتراح تعويض مالي لكلیة العلوم والتقنیات بالرشیدية يوازي التعويض الذي دفعوه لاقتناء الحافلة الملعونة. لكن أعضاء مجلس الكلیة رفضوا الاقتراح لأن قبولھم التعويض يعني اعترافھم بوجود مشكل يتسترون علیه. بعد ذلك ستصدر تعلیمات عن طريق رسالة بعثھا رئیس الجامعة السید صاحبي إلى عمید كلیة العلوم والتقنیات بالرشیدية السید أيت ھو، تأمر بإعادة «الكار» إلى الرشیدية وتشغیله. في السادس من مارس 2015، وخلال الاجتماع الذي انعقد على الساعة الثالثة ظھرا سیعترف رئیس الجامعة أمام أعضاء مجلس كلیة العلوم والتقنیات بالرشیدية، بأنه ھو نفسه يشك في كون «الكار» جديدا أم مستعملا، وأخبر أعضاء المجلس أنه حصل على شھادة للتأمین ضد حوادث السیر لسنة أخرى إضافیة إلى حدود 2016. بمعنى أن «الكار» إذا انقلب بالأساتذة والطلبة فلیس علیھم أن يخشوا شیئا، لأن عائلاتھم في حالة الوفاة ستحصل على تعويضات التأمین. المشكلة، يا رئیس الجامعة، لیست في الحصول على سنة إضافیة في واجب التأمین، المشكلة ھي لماذا دفعت الجامعة مبلغ 172 ملیونا في حافلة لا تساوي أكثر من 30 ملیونا؟ وھكذا فقد طالب أعضاء مجلس الكلیة بالإجماع رئیس الجامعة بإجراء خبرة مستقلة على الحافلة لتحديد حالتھا مالین الكار | فلاش بریس 6/5/2015 المیكانیكیة بالضبط. القضیة دخلت في لعبة تبادل الاتھامات، فقد حمل عمید كلیة العلوم والتقنیات بجامعة المولى إسماعیل بالرشیدية، إثر دخول نقابیي التعلیم العالي على الخط، العمید السابق للكلیة مسؤولیة اقتناء الحافلة، موضحا أنه، بعد اكتشافه وجود أعطاب بالحافلة المفترض أنھا جديدة، راسل الشركة الوطنیة للنقل والوسائل اللوجستیكیة التي أوفدت فريقا تقنیا لفحص الحافلة، قبل اتخاذھم قرارا بنقلھا إلى الدار البیضاء قصد إصلاحھا، مما يعني اعترافھم بكون «الكار» غیر صالح للاستعمال رغم بیعه للجامعة على أساس أنه «دوبلفي عاد خارج من لوزين». الواقع أن ما حدث بجامعة مولاي إسماعیل بالرشیدية جرى قبل ذلك بثلاث جامعات أخرى ھي جامعة عبد المالك السعدي بطنجة وجامعة محمد الخامس بالرباط ثم جامعة أبي شعیب الدكالي بالجديدة. وھكذا تخصص أساتذة وطلبة كلیة العلوم والتقنیات بالجديدة الكلیة في إعداد تقارير حول رحلات رعب على متن حافلة اقتنیت مقابل 170 ملیون سنتیم، تصف أجواء «قطعة من الجحیم» على متن ھذه الحافلة المھترئة، غیر أن إدارة الكلیة لا تعمد إلى اتخاذ أي إجراء رغم توصلھا بھاته التقارير. وفي سنة 2014 لوحدھا توصلت إدارة الكلیة بتقريرين موقعین من طرف أساتذة وطلبة شعبتي البیولوجیا والجیولوجیا، كشفوا فیھا تفاصیل مرعبة من رحلتین عبر الحافلة المذكورة صوب شمال المغرب ومراكش، إذ تبین أن ماسحات الزجاج الأمامي للحافلة معطلة، كما أن نظام إزالة الضباب من الزجاج الأمامي لا يعمل أيضا، فضلا عن ورود عطب بمحول السرعة الذي يكلف لوحده 24 ملیون سنتیم. ما زاد ھذه الرحلات رعبا أنھا تمت في ظروف مناخیة صعبة، فقد وافقت إدارة الكلیة على رحلة عبر الحافلة صوب مراكش، رغم ورود نشرة إنذارية حذرت من تردي الأحوال الجوية، ما كاد يعجل بفاجعة أخرى قبل كارثة حادثة طانطان. على رئیس الحكومة، الذي تنص الاتفاقیة الموقعة بین الدولة والشركة الوطنیة للنقل واللوجستیك على مسؤولیته في التحكیم عند نشوء نزاع، أن يتحمل مسؤولیته ويفتح تحقیقا حول ھذه «الكیران» التي تشتريھا الجامعات «بونوكازيون» بثمن الحافلات الجديدة، لأن أرواح الأساتذة والطلبة الذين يستعملون ھذه الحافلات المھترئة، معلقة في رقبته. فھل سینتظر وزير التعلیم العالي ورئیس الحكومة وقوع كارثة لا قدر االله تشبه كارثة طانطان وتیزين تیشكا، حتى يبعثرا قسمات وجھیھما ويلصقا المسؤولیة في السائق؟

إرسال تعليق

0 تعليقات