هبل تربح
ما يميز القرارات التي تتخذها حكومة عبد الإله بنكيران شيئان، الأول اعتقادها أن المغاربة قصيرو الفهم، والثاني استقواؤها على الفئات الاجتماعية الضعيفة.
سأعطي مثالا واضحا للتدليل على أحد أنواع هذا الاستقواء ضد الطبقات الضعيفة، بعده سأعطي أمثلة توضح بجلاء الاستغباء الذي تتعامل به هذه الحكومة مع الشعب.
يوما الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي عرفت الساحة الجامعية حدثا كبيرا تجسد في إضراب الأساتذة الجامعيين. وقد كان إضرابا ناجحا بكل المقاييس.
السؤال هو لماذا لم يتم الاقتطاع من أجور الأساتذة الجامعيين المضربين. ونحن هنا لا نسجل أي موقف سلبي من إضراب الأساتذة الجامعيين، فهذا حق من حقوقهم، ولكننا بالمقابل نستغرب ازدواجية المعايير التي تنتهجها حكومة بنكيران، خصوصا عندما نراها تسارع وتفتخر بالاقتطاع من أجور المعلمين والأساتذة وموظفي العدل والجماعات عندما يضربون، وتدس رأسها في التراب عندما يضرب الأساتذة الجامعيون.
والمثير في الموضوع أن وزير التعليم العالي لحسن الداودي سارع إلى فتح باب الحوار مع نقابة الأساتذة التي دعت إلى الإضراب مباشرة بعد خوضه حتى لا يستمر ويشل الموسم الجامعي، في حين نرى يوميا إضرابات واحتجاجات لأساتذة ومستخدمين ينتمون إلى قطاعات أخرى لا يفتح معهم أي حوار آخر خارج الحوار «الزرواطي» في الشوارع والساحات.
فهل انتماء أساتذة جامعيين تنظيميا إلى العدالة والتنمية شاركوا في الإضراب هو السبب وراء الإحجام عن الاقتطاع من أجور الأساتذة الجامعيين المضربين؟
أما في باب ما جاء في سياسة الاستغباء التي تمارسها الحكومة في تبريرها لقرارتها أمام الشعب فحدث ولا حرج.
فرئيس الحكومة يقول إنه لم يزد في الأسعار ويتحدى من يأتيه بالدليل. وأكبر دليل على الزيادة في الأسعار هو الزيادة في أسعار المحروقات. لأنك عندما تزيد في سعر الكازوال والبنزين فإنك تزيد أسعار شحن ونقل المواد الغذائية، وبالتالي فالزيادة تنعكس مباشرة على كلفة الإنتاج، وهذه الزيادة يدفعها المستهلك في نهاية المطاف. وهكذا إذا كان رئيس الحكومة لم يزد في الأسعار بشكل مباشر فقد زاد فيها بشكل غير مباشر.
وهو عندما سيزيد على المقاولات والشركات والمصانع في فاتورة الكهرباء خلال غشت المقبل، فإنه يطلب بشكل غير مباشر من أرباب هذه الشركات الزيادة في أسعار منتوجاتهم واستخلاص فارق الزيادة في تسعيرة الكهرباء من جيوب المستهلكين.
الشيء نفسه سيفعله أرباب المطاحن 137 الذين يتحكمون في خبز المغاربة عندما سيرفع عنهم وزير الحكامة الدعم السنوي الذي يأخذونه من صندوق المقاصة لكي يوفر على خزينة الدولة 130 مليار درهم سنويا، وهو دعم والحق يقال أكبر من ميزانية وزارة التجارة الخارجية.
والذي سيحدث هو أن الكيلو من الطحين الذي كان يساوي درهمين سيصبح ثمنه درهمين وثمانين فرنكا، أي أن «خنشة» الطحين «مولات 50 كيلو» سيزيد ثمنها.
فهؤلاء البورجوازيون الذين يملكون المطاحن والذين «يطحنون» الشعب منذ عشرات السنين لن يتحملوا حذف الدعم السنوي من جيوبهم بل سيجعلون الشعب يتحمله، أي أن 130 مليار درهم التي ألفوا أخذها باردة من صندوق المقاصة سيخرجونها من جيوب المستهلكين.
وهكذا ستوفر الحكومة 130 مليار وسيحافظ أصحاب المطاحن على امتيازاتهم بينما الشعب سيدفع الثمن.
وبنكيران ليست لديه حلول عبقرية لتطبيق الإصلاحات، فلكي يوفر أموالا في صندوق الميزانية يحذف الدعم ويترك المغاربة وجها لوجه مع وحوش السوق. وهذا إجراء تستطيع جداتنا القيام به بلا حاجة إلى برنامج حزبي وانتخابات و«حريق الراس»، لأنه إجراء سهل وبسيط يدخل في إطار «حساب الشارفات».
وعندما يطلب رئيس الحكومة من المغاربة أن يستعيضوا عن دانون بصنع الرايب، فهو يسخر من ذكائهم، لأن المغاربة يعرفون أن «الرايب» يصنع من الحليب وليس بالماء، والحليب التهبت أسعاره وبالتالي فالمشكلة في الحليب وليست في مكان آخر.
وعندما يطلب الوفا من المغاربة الاستعاضة عن خبز المخابز بصنع «الملاوي» و«البطبوط» فهو يسخر من ذكائهم، لأن المغاربة يعرفون أن «الملاوي» و«البطبوط» لا تصنع بالتراب وإنما بالطحين، والطحين التهبت أسعاره، وبالتالي فالمشكلة في الطحين وليس في مكان آخر.
وعندما يطلب رئيس الحكومة من المغاربة أن يضعوا سياراتهم ويستعملوا حافلات النقل العمومي إذا تضايقوا من ارتفاع أسعار المحروقات فإنه ينسى أن رفعه من أسعار المحروقات تسبب في رفع أسعار تذاكر الحافلات وسيارات الأجرة. وهكذا فالمشكلة الأصلية ليست في استعمال السيارة أو الحافلة وإنما في ارتفاع أسعار المحروقات.
أما مصطفى الخلفي وزير الاتصال الذي قال ردا على كشفنا لأسماء الشركات المحتكرة لإنتاج برامج قنوات القطب العمومي «إن صفقات الإنتاج الخارجي بكل من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد القناة الثانية، لا تمنحها وزارة الاتصال ولا توقع عليها وليست طرفا فيها، بل هي نتاج عمل لجان مستقلة أصبحت معها الشركتان ملزمتين بإعلان نتائج هذه اللجان للعموم ومطالبة بتعليل قراراتها»، فقد اعتقد أنه باختبائه وراء لجان العمل المستقلة يبرئ ذمته من المسؤولية عن «الجرائم» التي ترتكب في حق المال العام بهذا «القطب الإعلامي المتجمد».
فالسيد مصطفى الخلفي يعتقد أننا أغبياء ولا نعرف أن المجلس الاداري للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يتكون من 12 عضوا، اثنان منهم يمثلون وزارة الاتصال، وهما الكاتب العام للوزارة أحمد اليعقوبي ومريم حضوري. هذا المجلس يتكلف باختيار أعضاء لجنة انتقاء البرامج والأعمال التلفزيونية والتي تضم ثمانية أعضاء.
وهذا يكذب ما ادعاه الخلفي من كون صفقات الإنتاج في كل من القناة الأولى والقناة الثانية لا تمنحها ولا توقع عليها وزارة الاتصال وليست طرفا فيها. وهو الذي طالما صرح سواء داخل البرلمان أو في منابر إعلامية، وعبر عن ارتياحه لنتائج طلبات العروض مؤكدا، طبعا قبل كشفنا عن أرقام الانتاجات وحجم الاحتكار الذي يعرفه القطاع، أنها مرت في ظروف جيدة ونزيهة.
غير أن الأرقام الفلكية التي نشرناها في هذا العمود، ونسبها السيد الوزير إلى صحف ومواقع، أكدت الفشل الذريع لعملية الاصلاح التي طبل وزمر لها الخلفي دون نتيجة تذكر، بل إن الريع والاحتكار استفحل أكثر على عهد دفاتر تحملاته.
وللمزيد من التوضيح نورد الفقرة التي تعزز كلامنا والواردة في دفتر التحملات التي أعده الخلفي: «تعد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية سنويا، وداخل أجل 3 أشهر الموالية لنهاية السنة المالية، تقريرا متعلقا بنتائج هذه السنة، من حيث نشاط المقاولة، ونتائجها المالية وتنفيذها لمقتضيات دفتر التحملات، ويتم توجيه هذه التقارير إلى السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال وإلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، كما يتم الاعلان عن التقرير السنوي ووضعه بشكل دائم على الموقع الالكتروني للشركة».
المادة 196، وقعه بالعطف وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي .
«ياكما كاين شي مصطفى الخلفي آخر وحنا ما فراسناش»؟
وإذا كان أحمد اليعقوبي ومدام مريم حضوري قد قصرا في تبليغ مصطفى الخلفي بنتائج طلبات العروض ها نحن من جديد نقدم بعض الأرقام الأخرى الصادمة.
فقد حصلت شركة «ديسكونيكتد» لصاحبتها نجاة القبي، زوجة المدير السابق لقناة الرياضية المغربية يونس العلمي، في أقل من سنة على الرتبة الثانية بعد شركة «عليان برود» لصاحبها نبيل عيوش، إذ حصلت على مبلغ 2 مليار و538 مليون سنتيم من مجموع ميزانيات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية والقناة الثانية التي تقدر بحوالي 32 مليارا و171 مليون سنتيم، لتستحوذ بذلك على نسبة 7،89 في المائة من ميزانية القناتين دون احتساب ما حصدته الشركة من قناة ميدي 1 تيفي، وهذه قصة أخرى سنعود إليها في ما بعد.
فهل يعتقد هؤلاء القوم أن المغاربة لديهم نقص في الفهم لكي يجتهدوا في التعامل معهم بكل هذا الاستغباء لذكائهم، أم أنهم يمارسون معهم سياسة «هبل تربح»؟
0 تعليقات
الصفحة رسمية لجريدة الأخبار المغربية