عمود شوف تشوف عد الأربعاء 18 يونيو 2014



مجرد أخطاء

عندما يشاهد المتتبع لقناة دوزيم معلق نشرة الأخبار يختتم النشرة ضاحكا مستبشرا، وهو يتحدث عن نشر القناة صورا خاصة للملك مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي، يعتقد أن المسألة تتعلق بحصول القناة على تنويه وليس تنبيها، أو أن الأمر ربما يتعلق بفوزها بجائزة أحسن تحقيق صحافي وليس بمناسبة الحديث عن خطأ مهني فادح استوجب تدخل التشريفات الملكية لتنبيه مسؤولي القناة إلى عدم استغلال الصور الخاصة للملك من طرف قناة عمومية.
والخطير في التعليق أنه لم يورد كلمة «اعتذار» أو «خطأ غير مقصود»، وجاء في ختام الأخبار كما لو كان حادثا بسيطا لا يستحق التعاطي معه بالجدية الواجبة وفي مقدمة الأخبار، خاصة عندما قال معد البرنامج «متظاهرا بالفرح»، من أجل أن يخفي خطورة الحادث، «وهذا الحادث يدعونا إلى جدية أكبر مستقبلا»، فيبدو أن المسؤولين عن قناة دوزيم مطمئنون إلى بقائهم على رأس دوزيم مستقبلا، وإذا كانوا لم يحترموا الحياة الخاصة للملك اليوم، فإنهم سيتعاملون معها بالجدية الواجبة غدا.
وإذا كان مسؤولو دوزيم قد استغلوا صورا للملك منشورة على جدران الفيسبوك والتويتر التي تفضل بأخذها رفقة أشخاص عاديين، وقاموا بعرضها على العموم، ظنا منهم بأنهم بهذا الاستغلال لصورة الملك «سيبيعون» أكثر، وستتفوق «دوزيم» على القناة الأولى في نسبة المشاهدة، فإن الوحدة الترابية للمغرب لم تسلم بدورها من «أخطاء دوزيم»، عندما قدم برنامج «رشيد شو» في فقرة «حاجييتكم ما جيتكم» صورة لكرتي قدم وعلى كل واحدة منهما صورة لخريطة المغرب وقد بترت فيهما الصحراء المغربية، دون أن نسمع أي اعتذار عن هذا الخطأ.
وما دام الشيء بالشيء يذكر فإن برنامج «رشيد شو» كاد أن يشعل حريقا اجتماعيا في وزارة الوردي، وأن يخلق «حمى قلاعية» داخل الجسم الصحي، مما اضطر الوردي إلى التشكي لدى كل من وزير الاتصال مصطفى الخلفي، والمدير العام للقناة الثانية سليم الشيخ، ورئيسة المجلس الأعلى للهيأة الوطنية لمراقبة السمعي البصري أمينة المريني، على ما تضمنته الحلقة، والذي اعتبره مسيئا للمهنيين بقطاع الصحة، واصفا ما تلفظ به مقدم البرنامج في حق الممرضات بـ«التهم المجانية والرخيصة».
ورغم أن قناة دوزيم تدخلت لحذف الفيديو من التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها اختارت الاعتذار على طريقتها المعهودة وهي «ضاحكة ناشطة»، بحيث تم التمهيد لتصريح منشط البرنامج عبر تقديم مخدوم، تحدث خلاله مقدم الأخبار عما سماه «ردود فعل متباينة» حول الموضوع، دون أن يشير إلى موقف وزير الصحة وشكاياته، أو لموقف النقابات المهنية التي نظمت وقفات احتجاجية وأصدرت بيانات بسبب تلك التصريحات، وهو التقديم الذي حرص المخرج على إرفاقه بصور للجمهور وهو يصفق بحرارة لمعد البرنامج، تفعيلا لشعار «موت موت يا لعدو، العلالي عندو شعبو»، قبل الانتقال إلى بلاطو البرنامج وتسجيل اعتذار صاحبنا ليس لعموم المشاهدين، ولكن الاعتذار فقط «لمن سمع شي كلمة وأحس بأنها أساءت إليه» (زعما اللي فيه الفز)، مصرا على الاستمرار في السخرية في وقت كان يقتضي منه التحلي بالجدية والحزم.
لذلك فما إن أنهى معد البرنامج تصريحه على قناة دوزيم، حتى «ضربها بنكرة» حين صرح لإحدى الجرائد الوطنية بأنه لم يقدم اعتذارا لأنه لم يبدر منه ما يستحق الاعتذار، وأن ما قام به مجرد توضيح مفاده أنه يقدر شغيلة الصحة التي تشتغل بأمان وشرف.
أما الطامة الكبرى فهي تلك الخطيئة التي اقترفتها دوزيم وهي تحاول أن تتطرق لموضوع التلميذة المنتحرة، تلك المسكينة التي وضعت حدا لحياتها قبل أن تبتدئ، بسبب احتقارها من طرف زملائها وزميلاتها في المدرسة ونعتهم لها ب«بنت الكاريان».
حين حاولت دوزيم أن تعالج الموضوع قدمت المكان الذي كانت تعيش فيه التلميذة مريم في أبشع صورة، واصفة إياه بالمشهد الذي لا يمكن بأي حال وصفه، الذي يتعايش فيه الإنسان مع الأفاعي والجرذان وكل أنواع الحشرات حسب تصريحات معد التقرير، وبعد عرض صورة الطفلة وتصريحات والديها استجوبت دوزيم إحدى زميلات التلميذة المنتحرة، فماذا قالت لهم التلميذة المستجوبة. لقد قالت لهم إن زميلتها المتنحرة كانت «ضريفة ومواظبة وديما كاتجي للمدرسة لابسة، وأن أي واحد يشوفها يقول هاذي ماشي بنت الكاريان».
وإذا كان من الممكن إيجاد العذر لهاته التلميذة الصغيرة التي لم تقدر حساسية ما تقول، فإن تقديم التصريح على قناة دوزيم يكرس عدم احترام مسؤوليها لسكان «الكاريان» البسطاء الذين لم ينتحروا بعد، ويشكل إهانة للقناة قبل غيرها.

وحين عرجت كاميرا دوزيم على المدرسة التي كانت تدرس فيها الطفلة المنتحرة، صورت لنا باب المدرسة وقد كتبت على جداره تلك العبارات البذيئة التي يكتبها المنحرفون على جدران الخرب المهجورة، والتي كان يجب على إدارة المدرسة أن تغطيها بالجير، وأن ينتبه إليها معدو التقرير بدل عرضها على المشاهدين، ولكن من يتغافل عن استغلال صور شخصية للملك، وعن عرض صور مبتورة للتراب الوطني، سيكون عرضه «لكلام الزنقة» مجرد صغيرة من الصغائر.
وإذا كان وزير الصحة الوردي قد قدم شكاية للخلفي لحمايته من أخطاء دوزيم في حق الجسم الصحي العليل، فإن الوزير الصحفي الخلفي قد عبر عن امتعاضه من العروض التي قدمتها دوزيم بمناسبة قفطان 2014 شاكيا أمره إلى الله، بعدما تم إحراجه أمام والدته، التي اكتشفت بأن ابنها الوصي على القطاع لا حول له ولا قوة، خصوصا أن زوجة الوزير «تقاتلت» من أجل الحصول على دعوة لحضور عرض القفطان وبقيت في السهرة إلى نهاية الحفل، لذلك فكل ما استطاع أن يرد به على تمرد دوزيم هو اتهام مسؤوليها بمحاولة تحويل المغرب إلى ماخور مكسيكي، وهي تهمة خطيرة إذا علمنا أن الماخور في قاموس المعاني هو بيت الدعارة شرف الله قدركم، وأن إعداد محل للدعارة جريمة يعاقب عليها القانون، ناسيا أن أول فيلم تكرمت به دوزيم على عموم مشاهديها لحظة تدشينها «أيام الديكودور» تضمن لقطات جنسية واضحة، وأن ألوان شعار دوزيم ترمز إلى ذلك التعدد والاختلاف الذي لا يمكن للخلفي أن يتحكم فيه.
وعندما هاجم بنكيران مديرة الأخبار وردت عليه هذه الأخيرة باتهامه بالتحرش بها، وبأنه طلب منها القيام ب«أشياء»، رد عليها رئيس الحكومة بأنها ليست مجرد موظفة والكل يعرف مع من تشتغل، ولما حاولت المرأة أن تقلي السم للرجل، جربت معه خطاب المعارضة والنزول إلى الشارع، من خلال تقرير حول الزيادة في ثمن الكهرباء، غير أن الطبخة لم تكن مستوية بما فيه الكفاية، عندما خرجت علينا مقدمة الأخبار متحمسة لتخبرنا بوجود تماس كهرومائي سيضرب جيوب المواطنين بطريقة لا تخلو من تحريض، مستجوبة مجموعة من المواطنين ورئيس فيدرالية لحماية المستهلك، الذين عبروا جميعا عن رفضهم باسم الشعب لتلك الزيادة، وتم عرض مواقفهم بجرأة زائدة لم نعد نعهدها في قناة دوزيم منذ مغادرة فاطمة الوكيلي والمتألقة ثورية الصواف لمكاتبها.
غير أن جرأة دوزيم لم تعمر طويلا، إذ سرعان ما سيكتشف مسؤولو دوزيم أن الضربة الموجهة إلى بنكيران وصحبه كادت أن تصيب علي الفاسي في مقتل، وكادت أن تؤدي إلى تماس «كهروسياسي» لا محل له داخل قناة إعلامية عمومية، خاصة أن تأجيج الصراع الاجتماعي على الطريقة «الشباطية» لتصفية حسابات شخصية، قد أغضب أكثر من جهة، لذلك عادت نفس القناة يومين بعد ذلك لتتناول نفس الموضوع بطريقة مناقضة، وتدافع عن الزيادة في ثمن الكهرباء، وبذلك تعود ريمة لعادتها القديمة.
وكل خطأ وأنتم بخير.

إرسال تعليق

0 تعليقات