وزارة الأخوات المتضامنات
ما الذي يحدث في وزارة بسيمة الحقاوي هذه الأيام؟
السؤال مشروع، ليس فقط لأن الوزيرة قفزت إلى واجهة الأحداث عندما عاشت لحظات عصيبة قبل يومين في كلميم، حيث استغربت كيف أنه لم يتم استقبالها بالتمر وحليب الناقة وإنما بالتهديد بالقذف بالأحذية، وأيضا بسبب شلال الاستقالات الذي انهمر الأسبوع الماضي عندما قدم مدير الميزانية والموارد البشرية، ورئيس قسم المرصد، ورئيسة القسم المكلف بخطة «إكرام» بشراكة مع الاتحاد الأوربي، ورئيس قسم «الشراكة»، إلى جانب عشرة رؤساء مصالح في مديرية المرأة استقالتهم من مهامهم.
بعد مجيء بسيمة الحقاوي إلى وزارة التضامن، أعطت الانطباع التكتيكي بأنها وزيرة جاءت لتجاوز فساد المراحل السابقة، أي فترة الشيوعية الصقلي، فجمعت حولها المعاقين المعطلين في صور جماعية ورفعت لهم شارة النصر على اعتبار أنها ستحل لهم مشكل التشغيل بشكل نهائي. غير أنه بعد مرور سنتين ونصف ها هي اليوم تطلب منهم أن يشربوا ماء البحر أو ينتحروا إن شاؤوا ولم تعد تستقبل أحدا منهم وألحت على ضرورة تسريحهم، بغير إحسان وبعنف شديد من أمام باب وزارتها.
ولعل أكبر غزوة هي تلك التي خاضتها في تدبير ملف المرأة، فنظفت مديرية المرأة من بقايا اليساريات اللواتي ورثن مناصبهن من عهد نزهة الصقلي البائد، وبعد أن مررت نظام وزارتها في مجلس الحكومة وصدر بالجريدة الرسمية شرعت في وضع مقاييس التباري لمنصب مديرة المرأة.
فكانت خطوتها الأولى هي وضع مقاييس وشروط غريبة وهزلية أحيانا، مثلا أن تكون المترشحة رئيسة مصلحة فقط لثلاث سنوات وإذا لم يتوفر هذا الشرط يمكن للمتبارية أن تستوفي الشروط بمجرد استفادتها من تكوين في مجال المرأة. لكم أن تتخيلوا كيف أن منصبا حساسا يمنح لأناس استفادوا فقط من تكوين موضوعاتي في مجال اختصاص المديرية.
شكلت الحقاوي لجنة «مستقلة» تترأسها مليكة الصروخ، وهي للذكر باركت ترشيح المديرة المعنية بالأمر ونالت مقابل ذلك ترشيح الحقاوي لها كنائبة مديرة بمنظمة المرأة العربية والمجتمع المدني التي راسلت الوزارة بكثافة تطعن في المسطرة التي اتبعتها الحقاوي في ترشيح مديرة المرأة، وهي بالتالي حرفت «مساطر مرسوم التعيين» وموهت الجميع لتضع شخصا غير مناسب إطلاقا.
ونحن لا نتحامل على هذه المديرة، لكنها في حقيقة الأمر ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة في وزارة يشوبها التخبط وتتبجح وزيرتها بشفافيتها وسمو أخلاقها السياسية.
هذه المديرة التي دفعت بدعوى قضائية ضد ما كتبناه حولها في السابق من كونها عديمة التجربة والكفاءة، ولأنها تصر على الطلوع للجبل، فإن الطعن في مسطرة تعيينها أصبح واردا. ويكفي أن نعرف أن «العبث» الذي نتج عن هذا التعيين سيسبب لملف المرأة، الذي ناضلت فيه أجيال وأجيال من النساء المناضلات، اندحارا يمكن أن يوقف صرف دعم دولي يصل إلى 470 مليون درهم.
ولعل الكارثة الأولى في تعيين هذه السيدة هي عدم درايتها المطلقة بالملف والأخطاء المهنية الكثيرة، بحيث أصبحت الاجتماعات القطاعية ما بين المسؤولين الإداريين لكل الوزارات «يضحكون» من سطحية معرفتها وخروجها عن مواضيع الاجتماعات.
أما الكارثة الثانية فتدبيرية، بحيث غطت عن قلة خبرتها بعباءة تسلط وتجبر غير مسبوق، بحيث أمطرت رؤساء أقسامها بالاستفسارات والتوبيخات والتنبيهات وبلغ بها الشطط لإنذار رئيسة قسم وعملها الدؤوب على التحضير لطردها علما أنه إداريا لا يسمح لها بهذا الشطط. حصلت بشكل غير قانوني على سيارة مصلحة تذهب بها وتروح من وإلى الدار البيضاء، علما أنها تستفيد كمديرة من تعويضات النقل.
والأدهى من ذلك أنها تستقوي على الإدارة بصداقتها للحقاوي وتطلب سائقا خاصا. ولعل المدهش في القصة كلها أن المديرة تفتخر بتخصصها في مجال تدبير الموارد البشرية، علما أنها تسببت في استقالة رئيسي قسم وباقي المسؤولين في استعداد لتقديم استقالاتهم بسببها.
هذه «الشفافية» المفترى عليها التي أفرزت تعيين هذه المديرة أثرت على سير ملف المرأة. فلا وكالة للتعاون أصبحت راغبة في العمل معها ولا جمعية تتواصل معها.
هذه الكوارث لم تشمل فقط ملف المرأة ومديرتها، بل نخرت مديرية الميزانية والشؤون العامة. بحيث تعرض المدير لضغوطات جمة وعراقيل لا انقطاع لها بحيث أضحى ديوان الوزيرة يحشر أنفاسه في أصغر وثائق الوزارة وأخرجت الوزيرة مذكرة عجيبة تعلم فيها بأنها هي من ستوقع شخصيا على كل وثائق الإدارة من إرساليات وتراخيص وأمور إدارية، ووضعت رئيسة قسم الميزانية من مواليها ومكنتها من مختلف السلط لدرجة وقف العمل بهده المديرية الحيوية مما أثر سلبا على السير العادي للوزارة.
الوضعية الكارثية في مديرية الميزانية دفعت بالمدير إلى طلب الاستقالة مرات ومرات، كما أن رئيسة القسم الموالية للحقاوي، عندما ضاق خناق المدير عليها، راكمت شهادات طبية وغيابات متتالية.
نفس الاندحار أصاب مديريات أخرى، بحيث أنه وبمجرد ترشحه لمنصب مدير وكالة التنمية الاجتماعية، أضحى مدير التنمية الاجتماعية في سبات وظيفي ودخل مع رؤساء أقسامه ومصالحه في صراعات دفعت بأحد أهم رؤساء أقسامه إلى طلب استقالته من منصب المسؤولية.
ولا نعرف لحد اليوم لماذا تحفظ السيد رئيس الحكومة على ما أفرزته مباراة الحقاوي في شأن مدير وكالة التنمية الاجتماعية. لا لشيء إلا لأن المجتمع المدني وعلى رأسه منتدى الزهراء نفسه، تحفظ على ما أقدمت عليه الحقاوي من خروقات فظيعة لإرادتها ورغبتها في ترك هذا المنصب الحساس لشخص ربما لكونه من جماعة الحمداوي.
وعدول بنكيران عن تعيين هذا المدير هو إما إشارة منه بإعادة المسطرة من جديد، خصوصا أن الحركة الشعبية «مقوس» على هذا المنصب الحساس الذي يعرفه لحسن حداد وزير السياحة أحسن معرفة، أو لتمويه الصحافة والإعلام حتى ننسى وينصب من شاء.
السيدة الحقاوي ستترك القطب الاجتماعي متجمدا بفعل ما تم اقترافه في عهدها من خروقات.
فقد تم «النصب» على 24 متعاقدا بمؤسسة التعاون الوطني، التي نسيت الوزيرة الاحتفال بذكراها التأسيسية، عندما جعلتهم الإدارة يوقعون على عقد إدماجهم بعقود محدودة المدة CDD لسنة واحدة قابلة للتمديد. ولكم أن تتخيلوا أنه بعد مرور سنة رفضت الإدارة التمديد لهؤلاء المتعاقدين الذين يعتزمون اليوم الانتحار جماعيا.
هذا التعاون الوطني سيندحر في عهد الحقاوي من خلال احتلال الإدارة لجمعية الأعمال الاجتماعية، بعدما توافق «المدني» مع الاستقلاليين، دون أن يرى إخوان العدالة والتنمية في ذلك خيانة، على تنصيب سبعة منسقين وأربعة مندوبين وموظفين اثنين مع انسحاب النقابات في الاجتماع التفاوضي الذي نظمه «السي المدني» بمراكش.
وقد خرجت نقابة محمد يتيم ونقابة موخاريق ببيانين ينددان بهذا التسلط الإداري على الجمعية. نفس النهج أمرت به الحقاوي في ما يخص جمعية الأعمال الاجتماعية لوزارتها بحيث تخطط اليوم لاحتلال الإدارة للجمعية وعرقلة جمعها العام بترتيب عملية تنزيل غريبة لمجموعة من الموظفين المكفوفين الملحقين بالتعاون الوطني لنسف الجمع العام للجمعية.
بعد قضاء أكثر من سنتين ونصف على رأس وزارة التضامن نجحت بسيمة الحقاوي في مخاصمة الوزارة مع كل شركائها الدوليين. فالتعاون الألماني غادرت غاضبة بعدما خابت كل جهودها في اللقاء بالوزيرة طيلة سنة ونصف من انتظار سعادتها.
ONU femme غاضبة هي الأخرى، واليونيسيف ليست بأحسن حالا منها. أما الاتحاد الأوربي فقد حول برامجه نحو المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ومحجوب الهيبة غير مرتاح لأن الوزيرة سطت على اختصاصاته خصوصا تلك المتعلقة بالعلاقة بالمنظمات الأممية، وبدأت «تكور» وترسل التقارير باسم الحكومة والدولة المغربية دون تشاور.
وكل ما وجدت الوزيرة بسيمة لكي تقوله هو أنها أكلت لحم الإبل وشربت حليب الناقة بكلميم. بقي فقط أن تشرب معالي الوزيرة حليب السباع وتأتي أمام الرأي العام لكي تشرح له حقيقة ما يقع في وزارتها، فإذا سارت الأمور على هذا النحو قد تأتي يوما إلى مقر وزارتها وتجد أنها رفقة مديراتها المفضلات وحدهن من بقين في الوزارة.
0 تعليقات
الصفحة رسمية لجريدة الأخبار المغربية