عمود شوف تشوف عدد الأربعاء 28 ماي 2014






ياك كلناها ليكم


عندما وقف إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات أمام النواب في البرلمان «يشرمل» المؤسسات العمومية بتقارير قضاته فهو لم يفعل غير تأكيد ما كنا قد كتبناه قبل سنوات.
وعندما تحدث عن المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية فقد قدمه البعض كما لو كان بصدد تفجير قنبلة، بينما هو في الواقع يؤكد ما سبقنا إلى نشره قبل سنة من اليوم عندما كشفنا معطيات ووثائق مريبة ظلت تحدث داخل هذه المدرسة، والتي تعد بمثابة معمل لتخريج الأدمغة المفترض أنها ستسير وزارة الطاقة والمعادن أساسا وقطاعات أخرى.
وكنا قد تحدثنا بالتفصيل عن ملف التعاقد مع شركات بعينها في إطار صفقات للتسيير، وشرحنا كيف أن أبرز مثال في هذا الخصوص هو شركة طباعة «فوطوكوبي» تعاقدت معها إدارة المدرسة المذكورة مدة ناهزت العقد من الزمن، رغم أن مهمتها الوحيدة هي نسخ الوثائق وجمعها بتقنية «السبيرال». للتذكير نعيد نشر ما كنا قد أرشنا إليه في هذا الباب بخصوص الشركة المحظوظة مملوك لشخص يقيم بمكناس تقول بعض الألسن إن له علاقة قرابة مع مسؤول بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية.
الأمر الذي يثير الانتباه بادئ الأمر هو أن إدارة المدرسة، التي يوجد مقرها بالرباط، تعاقدت مع شركة بمكناس عوض أخرى بالرباط، تجنبا لمصاريف إضافية أهمها مصاريف التنقل، وتتم فوترتها، في النهاية، ضمن تكاليف نسخ مستلزمات المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية.
وعندما نلقي نظرة على حجم تكاليف «الفوطوكوبي» و«السبيرال» التي تحصل عليها هاته الشركة نظير طباعتها لأوراق خاصة بالمدرسة نصاب بالدهشة.
ففي سنة 2009 لوحدها بلغ حجم الصفقة الموقعة مع هاته الشركة مبلغ 800 مليون سنتيم. «كلها مشات غير فوطوكوبي». فهل عدد طلبة المدرسة وطبيعة نظامهم التعليمي يتطلب عملية نسخ أوراق بهذا العدد المهول؟
والمثير أن الشركة ظلت تظفر بصفقات المدرسة الوطنية للصناعة الغذائية خلال سنوات عدة آخرها سنة 2012 الماضي. خلال هاته السنة وصل مبلغ الصفقة الموقعة بين المدرسة والمطبعة مليارا و891 مليون سنتيم، علما أن شركة الطباعة حازت الصفقة بعد إقصاء مقاولات أخرى بدعوى عدم المصادقة والتأشير على دفتر التحملات أو الحصول على تأشير من وزارة المالية.
خلال التدقيق في فواتير العمليات التي تنجزها المطبعة لصالح المدرسة ومصالحها الإدارية، تظهر حقائق صادمة للغاية، بينها أن كتابة المديرية العامة للمدرسة استنسخت لوحدها، وفي شهر ماي لوحده، 116 ألفا و760 فوطوكوبي لوثائق، وأنجزت 27 ألف عملية «سبيرال».
المديرية ذاتها، ولوحدها، استنزفت مبلغ 21 مليون سنتيم من المبلغ المخصص للفوطوكوبي، في إطار التعاقد مع الشركة المذكورة، في مدة خمسة أشهر فقط، رغم كل العطل المدرسية التي تخللت هاته المدة.
ولا بد أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات سيصابون بالصدمة وهم يقومون بجرد العمليات التي قامت بها شركة الطباعة (وهو ما وقع بالفعل)، في إطار عقدها مع مدرسة الصناعة المعدنية. لأنهم سيكتشفون أنه بصفة يومية، كانت تجري آلاف عمليات النسخ والطباعة وإعداد ملفات في شكل «سبيرال»، إلى درجة أنه، وفي يوم واحد، يمكن أن يصل عدد عمليات النسخ لوحدها 23 ألفا و560 عملية «سبيرال»، كما حدث بتاريخ 9 أكتوبر 2012.
السؤال البسيط والعفوي الذي سيطرحه كل من سيقرأ هذه الأسطر هو التالي، بما أن المدرسة الوطنية للصناعات الغذائية تحتاج إلى هذا هذه الأطنان الهائلة من «الفوطوكوبي» التي يتطلب جمعها جبالا من «السبيرال»، فلماذا لم تفكر الإدارة، وحرصا على ميزانية التسيير، في اقتناء عشر طابعات فوطوكوبي من أحدث طراز وإنشاء جناح خاص في المدرسة للقيام بأعمال النسخ واللصق والجمع، عوض تفويت هذه «الخدمة» إلى شركة خاصة طيلة كل هذه السنوات؟
إن أغلى طابعة لا يتعدى ثمنها خمسة عشر مليون سنتيم، أما آلات «السبيرال» اليدوية فيمكن لرخص ثمنها اقتناء العشرات منها ببضعة آلاف من الدراهم. فلماذا لم تفكر الإدارة، ما دامت تحتاج إلى 23 ألف فوطوكوبي و560 «سبيرال» في يوم واحد، في اقتناء هذه المعدات وتوظيف خمسة مستخدمين تقنيين للقيام بهذه المهمة؟
أما «شرملة» إدريس جطو لوزيرة الصحة السابقة بسبب صفقة اللقاحات وطريقة تخزين الأدوية فقد سبق لنا أن كنا أول من أثار هذا الملف سنة 2011، أشهرا قليلة قبل أن نذهب إلى «العمرة» في عكاشة.
وللمزيد من الذكرى التي تنفع المؤمنين لا ضير في إعادة نشر بعض المقاطع التي يرددها السيد جطو اليوم على أسماع النواب، والتي كان صوتنا قد بح من كثرة ترديدها قبل ثلاث سنوات.
«هناك صفقات تعقد في الظل بين الكاتب العام وبعض الشركات المحظوظة، وعلى رأسها شركة «ميتيك» التي تستحوذ هذه السنة (2011)، على أزيد من 70 في المائة من الصفقات العمومية التي تبرمها وزارة الصحة من أجل شراء أدوية ولوازم طبية لا تدخل ضمن حاجيات القطاع الصحي، بحيث يتم إغراق المراكز الصحية والمستشفيات بهذه الأدوية واللوازم الطبية إلى درجة أن بعض المصالح الصحية تشكو من عدم قدرتها على تخزينها، فيتم التخلص من كميات كبيرة منها بحرقها أو دفنها بعد نهاية صلاحيتها.

فيما تستمر بعض المستشفيات في تقديم أدوية منتهية الصلاحية إلى المرضى بتواطؤ بعض مسؤولي هذه المؤسسات الصحية مع الإدارة المركزية لتبرير صفقات اقتناء هذه الأدوية.
لكن صفقة العمر بالنسبة إلى الكاتب العام للوزارة تظل هي الصفقة التي أبرمها سعادته مع شركتين للدواء لشراء لقاحين جديدين سيتم إدخالهما لأول مرة في برنامج التمنيع والتلقيح بوزارة الصحة، رغم أن إستراتيجية وزارة الصحة الممتدة من 2008 إلى 2012 لا تتضمن أية إشارة إلى هذين اللقاحين ضمن برامج التمنيع، كما أن دولا كثيرة لديها إمكانيات اقتصادية كبيرة في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط لم تلجأ إلى إدخال هذين اللقاحين ضمن برامجها التمنيعية، بسبب أن منظمة الصحة العالمية لازالت تقوم بالأبحاث
العلمية والتجريبية حول نجاعتهما وفعاليتهما.
الكارثة أن الصفقة الإطار، التي ستدوم ثلاث سنوات، وصلت قيمتها إلى 45 مليارا، علما أن ميزانية اللقاحات ضد الأمراض الستة المعدية والمعروفة عالميا (الكزاز، الشلل، السعال الديكي، الحصبة، الحميراء، الدفتريا، السل) لم تتجاوز ميزانيتها السنوية 60 مليون درهم، مما يعني أن ميزانية هذه الصفقة تضاعف ميزانيتها الحقيقية مرتين على الأقل.
أما الشركتان المحظوظتان اللتان فازتا بصفقة اللقاحين فهما الشركة الأمريكية «غلاكسو سميت كلين جسكا» التي حصلت على مبلغ 68 مليون درهم، والشركة المغربية «المفار ماروك» التي حصلت على 355 مليون درهم.
إن هذه الصفقة، التي مررها الكاتب العام لوزارة الصحة تحت أنف مفتشي وزارة المالية، تعتبر نموذجا صارخا للاستغلال البشع لمآسي الطفولة المغربية من أجل الاغتناء وتمكين شركات الدواء المحلية والعالمية، التي تسيطر على مراكز القرار داخل وزارة الصحة، من أموال دافعي الضرائب المغاربة.
وهكذا، عوض أن تصرف هذه الملايير في تلبية الحاجيات الماسة للطفولة المغربية والتي حددتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر والتهميش والإقصاء وضمان الأمن الغذائي وخلق فرص الشغل وعدم استغلال الأطفال في ورشات المعامل وفرض إرسالهم إلى المدرسة، نرى كيف أن الكاتب العام لوزارة الصحة يخصص ميزانية ضخمة لشراء لقاحين للأطفال، فيما نظام المساعدة الطبية، الذي يهم أزيد من 60 في المائة من المواطنين الذين ليست لديهم تغطية صحية، لا يزال معلقا بسبب غياب التمويل.
إن أول من يجب أن يندد بهذه الصفقة هو المرصد الوطني لحقوق الطفل ومنظمة اليونيسيف اللذين وقعا مع وزارة الصحة اتفاقية إطار لمساندة المغرب في مخطط حماية الطفولة.
أما المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة المالية فمسؤوليتهما هي مساءلة السيد الكاتب العام عن ظروف عقده لصفقة الـ45 مليارا، وظروف وملابسات اقتنائه لفيلا بخمسمائة مليون سنتيم بعد ثلاث سنوات قضاها في منصبه بوزارة الصحة».
وهكذا فكل ما نكتبه اليوم حول المؤسسات العمومية والحكومية في ظل حكومة بنكيران سيأتي رئيس آخر للمجلس الأعلى للحسابات في السنوات المقبلة لكي يؤكده، مثلما يؤكد رئيس المجلس الحالي ما سبق وكتبناه قبل سنوات.
«ودابا، وصلتو على كلامنا ولا باقي»؟

إرسال تعليق

0 تعليقات