بائع السدادر وبائع الأوهام
آخر فتوى أطلقها رئيس الحكومة هي أن كل من انتقد فخامته يسهل الطريق على الفساد والمفسدين ويسبب الفتنة في البلاد، مما يعني أن الحكومة في منظور رئيسها أصبحت مقدسة وانتقادها حرام ويدخل في باب الخيانة العظمى.
وكما بشرنا الناطق الرسمي باسم الحكومة، السيد مصطفى الخلفي، الذي اكتشفنا أنه يتابع سهرات القفطان، فإن السيد رئيس الحكومة قرر أن يدافع عن نفسه بنفسه ويمارس حريته في التعبير، سوى أن الرجل عوض أن يمارس حرية التعبير أصبح يمارس حرية الهجوم على حق منتقديه في التعبير، واصفا إياهم بنعوت تحط من كرامتهم.
فالتازي، تاجر «البونج»، عليه بنظر بنكيران أن يهتم بتجارة «السدادر» ويترك السياسة جانبا لأنه فاشل وجاهل لا يفهم فيها، رغم أن بنكيران سبق له أن اقترح على التازي حقيبة وزارية لحسن الحظ رفضها هذا الأخير لأن عائدات «البونج» ربما تدر عليه أرباحا لن يستطيع المنصب الوزاري أن يعوضها. وقليلون يعرفون أن التازي يسكن في قصر إذا دخلت من الباب الكبير لحديقته احتجت إلى تاكسي لكي يوصلك إلى باب الدار نظرا لطول المسافة بين البابين.
أما عيوش الذي كشف بنكيران للرأي العام أنه يتقاضى عن كل تلميذ في التربية غير النظامية عشرين ألف درهم عوض خمسة آلاف التي تكلف الدولة، فعليه أن يبتعد عن التعليم ويفتح دكانا إذا أراد أن يبيع ويشتري، لأن التعليم مجال لذوي العلم وليس للتجار.
ونحن هنا لا ندافع عن التازي وعيوش، فما قاله رئيس الحكومة في حق الرجلين قليل مقارنة مع ما سبق أن كتبناه حولهما منذ سنوات وإلى اليوم. ويكفي البحث في غوغل لكي يعثر الباحث المحب للاستطلاع عن أعمدة تنتقد ركوب التازي على حركة عشرين فبراير لحماية نفسه وتجارته، واستغلال عيوش لموقعه من أجل الحصول على صفقات لشركته وشركات أبنائه الذين «يفوزون» بصفقات برامج التلفزيون العمومي التي تقدر بمئات الملايين.
لذلك نقول لرئيس الحكومة «مرحبا بك في النادي»، رغم أنك كرئيس حكومة منتخب ليس من حقك أن تأخذ مكاننا وتشرع في محاسبة أشخاص بالشفوي في الوقت الذي يمكنك تفعيل القانون ضدهم ومحاسبتهم بالكتابي.
ولمعلومات السيد رئيس الحكومة فالتازي لم يكن يسير المجلة المقصودة بل كان مجرد مساهم في المقاولة الإعلامية التي تصدرها إلى جانب البرلماني الاتحادي السابق الحريري،
ولذلك فإذا كانت المجلة قد نزلت مبيعاتها إلى بضعة آلاف من النسخ فليس بسبب التازي وإنما لأسباب أخرى يطول شرحها.
وقد علق أحد القراء على حسابه في الفيسبوك على هجوم بنكيران على التازي ووصفه بالفاشل قائلا «الله يعطينا فشل الملياردير التازي وينجينا من نجاح بنكيران».
ويبدو أن السيد بنكيران الذي يتهم الآخرين بإفشال مجلاتهم نسي أنه كان يشرف على إدارة وتسيير جريدة «التجديد»، وهي جريدة حزبية تأخذ الدعم العمومي من الحزب والدولة ولم تكن تبيع أكثر من ألفي نسخة، بمعنى أنها جريدة فاشلة لا يشتريها حتى مناضلو الحزب الذين يعدون بعشرات الآلاف.
وليس رئيس الحكومة وحده من أشرف على «التجديد»، بل إن وزير الاتصال كان أيضا مديرا عليها ولم يستطع أن يرفع مبيعاتها، فكيف يعطي وزير الاتصال الدروس للمقاولات الإعلامية في الوقت الذي فشل فيه عندما كان على رأس جريدة الحزب؟
وما يحسب للسيد رئيس الحكومة أنه لا يشعر بأي مركب نقص عند الاعتراف بفشله. فقد سبق له أن اعترف أمام طلبة المدرسة المحمدية للمهندسين بأنه فشل في إكمال دراسته وطرد، واعترف أمام رجال الأعمال المغاربيين بمراكش أنه مستثمر فاشل.
فكيف يا ترى لمن فشل في دراسته واستثماراته أن ينجح في تسيير بلاد؟
وعلى كل حال فالسيد رئيس الحكومة مدين لتجارة التازي بائع الإسفنج بدرس واحد على الأقل وهو أنه مطالب بأن يتعلم كيف يمتص الضربات مثلما يمتص الإسفنج السوائل. فوظيفة رئيس الحكومة تفرض عليه أن يكون مثل كيس الرمل الذي يتلقى اللكمات والضربات من كل جانب ومع ذلك يظل معلقا ثابتا في مكانه.
لكن رئيس الحكومة اختار أن يرد لمنتقديه الصاع صاعين ولسان حاله يقول «اللي فيا ما هناني». والحق يقال فبنكيران يستطيع أن يقبل على مضض النقد من المعارضة والصحافة التي تقوم بواجبها في مراقبته هو ووزرائه، لكنه لا يستطيع أن يتقبل النقد من أشخاص يعرف أن دوافعهم غير بريئة.
ولذلك فالهجوم الذي شنه بنكيران على الملياردير التازي لم يكن انطلاقا من أي مكان، وإنما من إدارة الضرائب ووسط موظفين يخشاهم بعض رجال الأعمال أكثر مما يخشون عزرائيل.
وتضمين رئيس الحكومة لكلامه الموجه إلى التازي إيحاء يفيد أن الخطاب السياسي بحاجة إلى مفتشي ضرائب هو الآخر يحمل تهديدا مبطنا بإمكانية إرسال مفتشي الضرائب إلى إمبراطوريات كل رجال الأعمال الذين قد يتجرؤون على رئيس الحكومة، مثلما حدث عندما أرسل الأزمي مفتشي الضرائب إلى أحد أكبر الفاعلين في الباطرونا لكي يراجعوا حساباته المالية.
ويبدو أن كريم التازي، الذي يسير إمبراطورية «ريشبوند»، عول كثيرا على صفقات المؤسسات العمومية التابعة للحكومة بعد وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم لكي يوسع من «نشاط» مؤسسته، لكن تلك الشاحنات من «البونجات» والأفرشة التي أرسلها كمساعدة لوزيرة الأسرة والتضامن في حملتها لمساعدة المسنين خلال فصل الشتاء الماضي، لم تفد في «ترطيب» قلوب إخوان بنكيران.
وربما كانت الصفقة التي منحها وزير النقل والتجهيز لشركة «لاسكيف» التي اشتراها الملياردير الشعبي أيام الخوصصة، والتي سيصنع بموجبها ثمانين مقصورة لقطارات السكك الحديدية، بمثابة النقطة التي أفاضت «كأس» التازي.
فالمليارديران التازي والشعبي كانا يسيران معا جنبا إلى جنب في مسيرات عشرين فبراير، حاملين قنينات ماء «عين السلطان» التابعة لهولدينغ الشعبي، فكيف يفوز الشعبي بصفقة مجزية ستنقذ شركة «لاكسيف» من الإفلاس فيما يخرج التازي من المولد بلا حمص كما يقول إخواننا المصريون؟
وطبعا فالملياردير الشعبي وجه عبر ابنه فوزي مدفعيته الثقيلة نحو الحزب الحاكم عندما انتقد بطأه الشديد في تسيير الشأن العام. ولكن هذا النقد لم يمنع الحاج ميلود من منح ذراع رجال الأعمال التابع للعدالة والتنمية المسمى «نور»، والذي يتحكم في مفاصله وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح شخصيا، غرف وقاعات فندق «موغادور» ذي الخمس نجوم بمراكش لكي يقيموا فيه مؤتمرهم الدولي حول إفريقيا قبل شهر.
وهكذا فليس كل من انتقد الحكومة يصنع ذلك لوجه الله، فهناك من يفعل ذلك فقط لأنه لم يحصل على الامتيازات التي كان ينتظرها لمقايضة دعمه ومساندته.
ونحن مرتاحون من هذه الناحية، وإذا كنا نمارس واجبنا في انتقاد ومراقبة الحكومة فنحن لا ننتظر منها جزاء ولا شكورا. و«اللي عاطينا شي حاجة يحيدها لينا».
0 تعليقات
الصفحة رسمية لجريدة الأخبار المغربية