مغامرات وزير البيصارة (3/2)

مغامرات وزير البيصارة (3/2)


خلال الفترة التي تحدثنا عنها في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، تم الإعلان عن عدة مباريات للتوظيف داخل وزارة النقل والتجهيز. كيفية تنظيم هذه المباريات طرحت عدة شكوك، كما سبق لبعضها أن أجل عن الموعد المحدد، وهو ما اعتبر محاولة لفسح المجال أمام أشخاص بعينهم لولوج الوزارة.
وبالعودة إلى سنة 2014 التي شهدت أكثر تحركات الرباح لتحديد معالم الخريطة البشرية بوزارة التجهيز والنقل، فقد أقدم الوزير، في مارس الماضي، على إجراء حركة انتقالية همت رؤساء الأقسام في مديرية النقل الطرقي والسلامة الطرقية، دون فتح باب التباري وترك المجال لأطر ومسؤولين لترقي، على اعتبار أن العملية تمت بشكل خفي.
مر شهر على هذه العملية لتجري حركة أخرى، شهر أبريل الماضي، همت رؤساء مراكز تسجيل السيارات، خلال امتحانات رخص السياقة ومنح البطائق الرمادية للسيارات. هذه الحركة أفضت إلى تعيين أسماء معينة قبل أن يلغي نجيب بوليف، الوزير المكلف بالنقل، نتائجها بموجب قرار لم يفعل بعد.
في الشهر الموالي، أي ماي الماضي، تم الإعلان عن الحركة التي أسلفنا ذكرها، والتي طلب خلالها من كل رؤساء المصالح والأقسام تعبئة بطاقات مناصبهم، كما تمت صياغة دليل لمناصب المسؤولية التي قسمت إلى سبع مجموعات، حضر الهاجس الحزبي خلال تحديدها.
هذا الوضع أدى إلى استبعاد أطر ساهموا في إنشاء مديريات داخل الوزارة سنة 2009، على غرار المديرية العامة للطيران المدني، ومديرية النقل الجوي ومديرية الملاحة الجوية المدنية، الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على ترك مناصبهم والبحث عن مناصب جديدة خارج المديريات التي عملوا بها.
تزامنا مع ذلك أعطى الرباح تعليمات للمدراء المعينين بموجب الحركة الأخيرة من أجل تكثيف الاجتماعات مع رؤساء الأقسام والمصالح لصياغة برنامج عمل كل مصلحة وقسم، على أن يتكلف رؤساء الأقسام والمصالح المعينون حديثا برفعها إلى الدوائر الأخرى، كما يشكل فرصة أمامهم للارتقاء أكثر وظيفيا خصوصا أن منهم المنتمين لحزب الوزير نفسه.
وتبعا للتعيينات الجديدة، سيكون تاريخ شتنبر المقبل موعدا لبدء رؤساء أقسام ومصالح ومدراء جدد العمل بالوزارة. اللائحة تضم 14 مسؤولا جرى اختيارهم بطريقة مثيرة للجدل. ففي البداية أعلن الرباح عن شغور مناصب 5 أقسام في الوزارة و9 مدراء إقليميين للتجهيز والنقل واللوجستيك.
أسبوعا بعد ذلك أعلن الرباح كذلك عن شغور قسمين في الوزارة ومنصبين يتعلقان بالمديرين الإقليميين بكل من خنيفرة وسيدي قاسم. المنصب الأخير صار شاغرا منذ إعفاء الوزير للمسؤول به بناء على شكايات تقدم بها برلمانيون ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية.
ما حدث تم كالتالي: تم استدعاء المرشحين للمثول أمام لجنة الترشيحات يومي 4 و5 غشت الجاري. وفي يوم الخميس 6 غشت ليلا، أعلنت الوزارة، عبر موقعها الالكتروني الداخلي، عن نتائج المباريات في قائمة غير موقعة. المفاجأة كانت هي سحب اللائحة من موقع الأنترنت الداخلي الخاص بمديرية الموارد البشرية بوزارة التجهيز في حوالي الساعة 10 صباحا من يوم الجمعة 7 غشت.
مضت خمس ساعات على ما حصل لتعود مديرية الموارد البشرية إلى نشر لائحة أخرى في موقعها للأنترانت مغايرة للائحة الأولى المسحوبة. اللائحة الجديدة بدورها غير موقعة وتحمل عبارة النتائج الجزئية لمباريات مناصب المسؤولية.
في المقابل، لم ينشر الموقع الرسمي للوزارة، كما هو الحال بالنسبة للمواقع الالكترونية الخاصة بالوظيفة العمومية، النتائج حتى حدود الساعة الرابعة من مساء يوم الجمعة 7 غشت حينما نشرت اللائحة بموقع الوظيفة العمومية. بعد ذلك بأكثر من ساعة، عمدت وزارة التجهيز إلى نشر نفس اللائحة في المواقع السابقة دون توقيع الوزير.
الأسماء التي وردت في اللائحة كانت مثيرة للنقاش، إذ لم تظهر تعيين أشخاص في مناصب مسؤولية شاغرة لحد الآن. المعطيات تكشف تحفظ الرباح على أربعة مناصب، ويتعلق الأمر بمنصب المدير الإقليمي للتجهيز والنقل واللوجستيك بإقليم سيدي قاسم، وهو منصب شديد الحساسية بالنسبة للوزير الرباح، على اعتبار أنه يقع في مجاله الانتخابي، كما أن المرشحين لهذا المنصب لم يكونا سوى مهندسين ينتميان إلى كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الاشتراكي.
في الوقت ذاته، وبخصوص منصب رئيس قسم الدراسات بمديرية النقل الجوي لم تتم بعد دعوة المترشحين إلى التباري حوله. وفي المقابل جرت تعيينات في المديرية العامة للطيران المدني همت إسناد منصب رئيس قسم الشؤون الإدارية والقانونية إلى إطار لا ينتمي إلى هذه المديرية.
لم يتم الإعلان، في المقابل، عن نتيجة منصب رئيس مصلحة الملاحة الجوية المدنية التي تبارى حولها ثلاثة مهندسين متخصصين في الطيران المدني، في حين يجري تحرك، وفق ما تكشفه مراسلة تلتمس من الرباح رخصة استثنائية، لتعيين مهندسة شابة في هذا المنصب علما أن تجربتها بالوزارة لم تتجاوز أربع سنوات، وهناك حديث عن وجود قريب نافذ لها بالوزارة.
يحدث كل هذا في وقت تشهد فيه مديرية النقل الجوي مشاكل عميقة أكبرها مرتبط بتدبير صفقة نظام الميزانية ذات التدبير المستقل (SEGMA)، إذ يستعد الرباح لخصم 87 مليون درهم سنويا من الميزانية بمبرر تنمية وإنعاش النقل الجوي داخل المغرب.
وهذه هي النقطة التي فجرت حدة الخلاف بين مدراء ثلاثة تعاقبوا على الإشراف على المديرية العامة للطيران المدني، قدموا كلهم استقالتهم في ظل أقل من سنة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد إذ ينوي الرباح طرح مشروع مرسوم بموجبه سيتم اجتزاء مديرية الملاحة الجوية المدنية من الوزارة لتلتحق بالمكتب الوطني للمطارات.
بين التوجهات المثيرة للجدل كذلك تفويت المراقبة التقنية للطائرات للأطر التابعة لشركة الخطوط الملكية المغربية علما أن الأمر من اختصاص أطر الوزارة أو شركات عالمية محددة، إذ لا يمكن لشركة الخطوط الملكية المغربية أن تكون طرفا وحكما في مهام المراقبة التقنية المتعلقة بالسلامة الجوية.
نتيجة هذا التسيب ظهرت على أرض الواقع، فقبل مجيء الرباح، كانت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالخدمات الجوية تشمل 95 دولة وعرف النقل الجوي طفرة نوعية بفعل سياسة التحرير سنة 2004 واتفاقية تحرير الأجواء مع الاتحاد الأوروبي سنة 2006.
جاء الوزير ودشن المفاوضات الدولية ابتداء من موريتانيا. ونظرا لعدم درايته بالأمور، وقع على محضر خطير في نواكشوط بتاريخ 29/30 غشت 2012 جلبت بنوده الويلات لشركة الخطوط الملكية المغربية. فبناء على هذا المحضر، أجبرت السلطات الجوية الموريتانية شركة الخطوط الملكية المغربية على تقليص عدد رحلاتها نحو نواكشوط من 14 رحلة أسبوعية سابقا إلى 5 رحلات أسبوعية حاليا. والغريب في الأمر هو ذلك القرار الذي أصدرته السلطات الجوية الموريتانية والذي يتضمن شرطا جد مجحف يتمثل في عدم تجاوز 3000 مسافر شهريا كحد أقصى في عدد الركاب، وهو ما يتنافى حتى مع الطاقة الاستيعابية للطائرات التي تستعملها شركة الخطوط الملكية المغربية وصناعة الطيران على وجه التحديد.
سنة 2013 لم تعرف مراجعة أو إبرام أية اتفاقية جوية جديدة لأن خلافات داخلية بدأت تظهر بعد انصراف الرباح إلى خطة تغيير معالم الموارد البشرية بالوزارة. فقبل مجيء الرباح، أبرمت عدة اتفاقيات للتعاون في قطاع النقل بما فيه النقل الجوي والطيران المدني مع العديد من الدول الإفريقية. غير أن الوزير الرباح من جهته لم يفعل أية اتفاقية تعاون مع الدول الإفريقية علما أن إفريقيا هي السوق الوحيدة والواعدة لشركة الخطوط الملكية المغربية التي تغطي فيها عن خسارتها في باقي الأسواق بفعل المنافسة الشرسة مع شركات النقل الجوي في دول الشرق الأوسط، من جهة، والشركات منخفضة التكلفة في دول أوروبا.
وخلال كل هذه الفترة تلاحقت أحداث مريبة بينها «خروج» أرشيف قسم تنظيم النقل أسبوعا واحدا بعد تعيين الرباح في ظروف غامضة، واختفاء الحاسوب المحمول لمسؤولة في أحد الأقسام، ما أرغم المدير العام للطيران المدني، الذي لم يمض أكثر من 8 أشهر على تعيينه سنة 2013، على تقديم استقالته، وحتى المدير الثاني الذي تم تعيينه وضع استقالته أخيرا بمكتب الرباح.

إرسال تعليق

0 تعليقات