عمود "شوف تشوف"


مفاتيح لفهم المستقبل


حط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي بالجزائر والتقى الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، ثم طار إلى مالابو بغينيا الاستوائية لحضور القمة الثالثة والعشرين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، حيث التقى في مقر إقامته بالرئيس الموريتاني المنتخب حديثا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي.
هذا الاتحاد الذي أنهى مؤتمره بتعيين الرئيس الموزمبيقي الأسبق المولي للبوليساريو، جواكين شيسانو، مبعوثا خاصا للاتحاد الإفريقي للصحراء.
كثيرون تساءلوا لماذا لم يمر الرئيس المصري الجديد بالمغرب واقتصر على الجزائر في أول زيارة له خارج مصر بعد توليه الرئاسة. الجواب واضح، فرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يقود حزبا لا يعترف إلى اليوم بالانتخابات التي أتت بعبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة في مصر، ولا زال قادة حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، يرفعون شارة رابعة في ملتقياتهم.
فالرئيس المصري في نظر الحزب الذي يقود الحكومة مجرد انقلابي جاء على ظهر دبابة إلى السلطة. ولذلك فرئيس الحكومة كانت ستكون لديه مشكلة حقيقية لو قرر الرئيس المصري القدوم إلى المغرب، حتى ولو كان المصريون أنفسهم قد قبلوا بالأمر الواقع فإن رئيس الحكومة وحزبه لم يعترفوا إلى اليوم بالسيسي رئيسا لمصر.
وهذا الموقع يكشف عن جهل مريع بالمتغيرات الدولية التي عرفتها المنطقة العربية في الأشهر الأخيرة. خصوصا بعدما اقتنع جميع الأطراف بأن مصير بشار الأسد ليس محسوما وأنه يستعيد قوته وشعبيته يوما عن يوم.
وهذا الوضع يطرح أسئلة محرجة على الجهات التي انخرطت في استنفار الشباب المغربي من أجل اللحاق بإخوانهم المقاتلين في سوريا، والجهات السلفية التي دعت رئيس الحكومة إلى الانخراط في دعم السنة بسوريا ضد الهجمة الشيعية الموجهة من إيران، وذلك عقب بيان علماء ومشايخ السنة الذي أصدروه بمناسبة مؤتمرهم المنعقد بالقاهرة ودعوا فيه عموم المسلمين في كل بقاع العالم إلى الجهاد في سوريا.
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في المغرب ساءت علاقات المغرب الدبلوماسية مع دول كثيرة، بعضها كمصر والكويت والمكسيك وصلت إلى حدود الأزمة الديبلوماسية. ولعل آخر الكوارث بالنسبة للمغرب كانت هي تعيين الرئيس الموزمبيقي الأسبق، جواكين شيسانو، مبعوثا خاصا للاتحاد الإفريقي للصحراء، وذلك خلال القمة الثالثة والعشرين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد ذاته المنعقدة في مالابو. 
وما لا يريد بنكيران وحزبه أن يفهموه هو أنه قبل حوالي سنة ونصف تقريبا حدثت تغيرات كبرى في مواقف القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه المتغيرات لخصتها زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة العربية بتاريخ 17.11.2013.
وقد قرر جون كيري أن يأتي لزيارة المملكة السعودية بعد زيارة مصر، في إشارة واضحة للقيادة السعودية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست معارضة للقيادة الجديدة في مصر وأنها تتعامل مع القيادة الجديدة وفق سياسة العلاقات المميزة والزيارات المتبادلة ولن تفرض عليها أي مقاطعة كما كان يصور داخل المملكة العربية السعودية وكأن الولايات المتحدة تعارض النظام الجديد لصالح الإخوان المسلمين.
اللقاء الذي عقده جون كيري مع القيادة السعودية كان غنيا بالمعلومات الجديدة وغير المطروقة والتي توضح طبيعة مواقف البيت الأبيض من اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط، وتعطي صورة أوضح عن الخريطة المستقبلية للمنطقة بعد الربيع العربي.
القيادة السعودية كانت صريحة في عتابها الموجه إلى وزير الخارجية الأمريكي، وهو عتاب وصل حد التقريع أحيانا، بسبب شعور العربية السعودية بخذلان واضح لها من طرف حليفها التاريخي.
اللقاء الذي حضره من الجانب السعودي ولي العهد الأمير سلمان والأمير سعود والأمير مقرن والسفير السعودي لدى أمريكا ومستشارون، واستبعد منه الأمير بندر بطلب من جون كيري، بدا منذ البداية حادا وانطلق بمهاجمة الجانب السعودي لموقف الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الجديدة في المنطقة، حيث قالت القيادة السعودية لكيري إن ثقتها قد اهتزت بالولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً من ما حصل في مصر باعوا مبكراً حليفاً مهما واستراتيجيا في مصر، أي حسني مبارك، ولم يتفاعلوا مع المساعي السعودية منذ البداية بامتصاص وتهدئة الأوضاع الداخلية في مصر، بل كانت مواقفهم مؤشراً واضحاً لزيادة انتفاضة الشعب المصري ضد مبارك.
ولعل ما أغاظ القيادة السعودية هو أن الأمريكيين حرصوا على دعم مجيء الإخوان المسلمين إلى مصر في الوقت الذي تعتبرهم السعودية خطرا إستراتيجيا داهما على منطقة الخليج. ولم تفهم القيادة السعودية كيف رفض الأمريكيون مقترحا تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي لإطالة فترة حكم المجلس العسكري في مصر حتى تستقر وتهدأ الأمور وقبل إجراء أي عملية انتخابية في مصر، غير أن الإصرار الأمريكي على سرعة إنهاء المجلس العسكري وإجراء انتخابات حسم كل شيء، فالإخوان المسلمون كانوا الأوفر حظا للفوز بهذه الانتخابات لكونهم تنظيما قديما ومنظما في مصر.
وخلال اللقاء ذكرت القيادة السعودية وزير الخارجية الأمريكي كيف أنهم حذروا الأمريكيين من أنه عندما سيستلم الإخوان المسلمون الحكم في مصر، وهي أكبر دولة عربية والقوة الأساسية، فإن هذا سيقود إلى تغيير شامل في المنطقة. وتأسفت القيادة السعودية لكون الأمريكيين لم يعيروا هذا التحذير السعودي أي اهتمام يذكر.

وتواصلت الأحداث في مصر، وفي البداية قال الأمريكيون للقيادة السعودية إنهم مع الشعب المصري ضد مبارك وإنهم مع خيار الشعوب، ولكن عندما أسقط نفس الشعب المصري مرسي وخيار الإخوان المسلمين أصبحت الإدارة الأمريكية ضد خيار الشعب المصري ووقفت إلى جانب الإخوان ومرسي تحت عنوان أن مرسي قد انتخب من الشعب المصري وتغافلت الإدارة الأمريكية الأعداد الهائلة والملايين من أبناء الشعب المصري الذين احتلوا الشوارع بأضعاف مضاعفة لمن انتخب مرسي.
حينها تعرضت القيادة السعودية لصدمة شبيهة بالبركان والزلزال بسبب مواقف الولايات المتحدة المترددة والمتناقضة في المنطقة، ففي الوقت الذي كانت أمريكا تعد العدة لمناصرة وإنصاف الشعب السوري تفاجأت القيادة السعودية بأن مفاوضات تجري مع قيادة هذا النظام وعبر إيران وروسيا ولتنتهي هذه الحملة بنصر كبير لبشار الأسد ونظامه فيما السعودية آخر من يعلم.
ولعل النقطة التي أفاضت الكأس السعودية هي توصلها بمعلومات عن أن إيران والولايات المتحدة قد شرعتا في حوارات معمقة تتعلق بشأن المنطقة. والمصيبة هي أن القيادة السعودية عندما كانت تستفسر من الأمريكيين حول صحة الأمر كانوا يجيبون بأن ذلك حديث إعلام ولا يوجد أي شيء جدي وأن مواقفهم اتجاه إيران لازالت على حالها، وهي أن النظام الإيراني نظام إرهابي يؤوي كل حركات الإرهاب في المنطقة.
غير أن مفاجأة السعوديين كانت اكتشافهم أن اتفاقاً أمريكيا إيرانياً قريباً من الإنجاز، حتى إنه كانت بعض الدول الأوربية تتصل بالقيادة السعودية لتسأل حول الاتفاق معتقدة أن هذه الأخيرة طرف في المعادلة، مما جعل القيادة السعودية تشعر بالإهانة. 
وهو الشعور القاسي الذي دفع بالقيادة السعودية إلى طرح سؤال واضح على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال ذلك اللقاء الحاسم، والذي كان على الشكل التالي:
هل أصبحت السعودية خارج تحالف الولايات المتحدة الأمريكية؟ 
هل أصبحت دول الخليج عبئاً على الولايات المتحدة؟ 
هل السعودية ما زالت حليفا أم تحولت إلى مجرد أداة؟ 
ولماذا لم يكن الموقف الأمريكي حاسما وحادا في سوريا كما كان في مصر على عهد مبارك؟
تريدون سماع أجوبة وزير الخارجية الأمريكي على أسئلة القيادة السعودية؟
اقرأوا عمود الغد.

إرسال تعليق

0 تعليقات