الوزير الذي يساوي 500 مليون






معالي وزير النقل والتجهيز واللوجيستك يريد أن يستعمل القضاء لكي يحصل مني على 500 مليون كتعويض عن ما يعتبره قذفا صدر مني في حقه. 
أنا أيضا سألجأ ضده إلى محكمة النقض لكي أطالبه ب500 مليون كتعويض عن ما أعتبره قذفا صدر من السيد الوزير في حقي. ومن يدخل صفحة معاليه الرسمية في الفيسبوك سيجد أنه لم يترك نعتا قبيحا أو شتيمة مقذعة إلا ووجهها إلي، مما يعتبر سابقة في الحياة السياسية الوطنية والدولية، إذ لم يسبق لوزير في حكومة تحترم نفسها أن استعمل صفحته الرسمية على الفيسبوك لتوجيه الشتائم إلى صحافي.
وإذا كان رب البيت للدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص، ولماذا لا يشتمنا معالي الوزير وهو يسمع رئيسه في الحزب والحكومة يشتمنا علانية أمام الملأ ويتهمنا ببيع الماتش وتغيير المعطف وما إلى ذلك من الاتهامات المضمرة والظاهرة.
أن يلجأ وزير إلى القضاء ضد صحافي بسبب كتابات لا تروق الأول، لخوضها في ملفات لها علاقة بالمجال العمومي الذي يدبره الوزير، فهذا أمر مؤسف، لأن السياسيين عندما يقبلون بتحمل الحقائب الوزارية يقبلون معها ضمنيا الخضوع لمراقبة الصحافة، وأحيانا للسعاتها الحارة، فهذه هي قواعد اللعبة في الدول الديمقراطية.
لكن أن يلجأ وزير إلى القضاء ضد صحافي ويطالبه بنصف مليار مدعيا أنه سيخصص هذا المبلغ لتمويل مشاريع تنموية في مسقط رأسه، فهذه فضيحة لو وقعت في حكومة تحترم نفسها لتمت إقالة الوزير المعني على الفور.
ولم يكتف بعض وزراء الحزب الحاكم باللجوء أو التهديد باللجوء إلى القضاء، بل إنهم أصبحوا يوظفون في دواوينهم من يتكلف بشتمي يوميا، فوزير العدل آوى شخصا في ديوانه وكلفه بالتخصص في شتمي مباشرة بعدما أدان القضاء هذا الشخص بتهمه السب والقذف في حقي، ووزير التجهيز وظف شخصا لا شغل له سوى سبي في صفحته ونقل شتائمه إلى مواقع إخوانه في الحزب لكي يعمموا «الأجر» على العموم. 
والمصيبة أن رواتب هؤلاء الشتامين يدفعها الوزراء المحترمون من أموال دافعي الضرائب. 
وبما أننا في المغرب، فما على معالي الوزير سوى أن يطالب بالمبلغ الذي يروق له، لأن وزير الاتصال الذي صم آذاننا عندما كان صحافيا حول ضرورة القطع مع الغرامات القضائية المرتفعة التي يكون الهدف الحقيقي منها هو دفع المقاولات الصحافية إلى الإفلاس، لن يفتح فمه لكي يطالب زميله في الحزب والحكومة بالرجوع إلى الله، فلطالما حلم وزير الاتصال برؤيتي أمام المحاكم مجددا لكنه لم يكن يجد الجرأة لوضع شكاية باسمه إلى أن جاء من ينوب عنه في هذا الأمر.
وكم هو سعيد إذ يسمع أن زميلا له في الحزب والحكومة وضع شكاية ضدي يطالب فيها بنصف مليار، ولو أنه من الصعب تصور وزير يقدم مشروع قانون للصحافة يدافع عن حق الصحافيين في الوصول إلى المعلومة وفي الوقت نفسه يبتهج لمعاقبة صحافي بسبب وصوله إلى معلومات حول وزير النقل وعرضها على القراء.
المشكلة الوحيدة يا معالي الوزير أن نصف المليار الذي تطالب به لا أتوفر عليه، فحساباتي البنكية لازالت محجوزة على ذمة قضية وكلاء الملك بالقصر الكبير، الذين حكمت لهم المحكمة ب600 مليون، كما تعلم، وهي الغرامة التي لازلت أدفع بمفردي تكاليفها بعدما رفع الحجز عن حسابات الجريدة وتم إبقاؤه على حساباتي.
وهي القضية التي ركبتم عليها في حينها سياسيا لتصفوا حساباتكم مع خصومكم، وعندما جاء وقت الدفع رجعتم إلى الوراء وبقيت وحيدا أستقبل المفوضين القضائيين الذين يأتون في كل مرة يبحثون عما يحجزون عليه.
لكن لا بأس، فقد حوكمت بسبب كتاباتي في عهد الاشتراكيين، وحوكمت بسببها في عهد التكنوقراطيين، وحوكمت وسجنت بسبب كتاباتي في عهد الاستقلاليين وقضيت ثلاثة أشهر الأخيرة مسجونا في بداية عهد حكومة الإسلاميين، وها أنذا أحاكم بنفس التهم في عهد حكومة الإسلاميين بعدما قضوا ثلاث سنوات في الحكم، وبدؤوا يشعرون بأنهم قطعوا الواد ونشفت أرجلهم، وبعدما صاروا يستقوون بوزير العدل. 
إن محاكمتي بسبب كتاباتي طيلة أربع عشرة سنة على عهد هذه الحكومات الثلاث على اختلاف توجهاتها الحزبية، لهو أقوى دليل على استقلاليتي كصحافي بات يزعج كل الأحزاب بمجرد ما تصل هذه الأخيرة إلى السلطة وتذوق رغد العيش وحلاوة المنصب وامتيازاته.
وهذا يعني أيضا أن الصحافة عندما تكون مستقلة تستطيع أن تكون سلطة حقيقية. 
فمرحبا بالمحاكمات في عهد حكومة بنكيران الذي حطم الرقم القياسي في السماح لوزرائه بجر الصحافيين إلى المحاكم.
إذا كان معالي الوزير يعتقد أنه سيخيفني بشكاياته ومطالبه المادية فهو واهم. والله لو طلبت مائة مليار على أن أخلي بيني وبينك ما فعلت. وتأكد أن ما كشفت عنه حولك ليس سوى قطرة في واد مقارنة مع ما ينتظرك. 
فواجبي كصحافي هو أن أراقبك وأحاسبك، لأنك ببساطة تتقاضى راتبك الشهري وتعويضات نقلك وملبسك وأكلك وأسفارك من ضرائب المواطنين، وبالتالي فهؤلاء المواطنون الذين يؤدون راتبك من حقهم معرفة أين تصرف أموالهم.
وإذا كان معالي الوزير لديه حقا نية صادقة لتنمية قريته التي ولد فيها فليس عليه أن ينتظر إلى أن تحكم المحكمة لصالحه ويحصل مني على نصف المليار لكي يصرفه على مشاريع التنمية هناك، كل ما عليه أن يصرف الميزانية التي تخصصها الدولة لتلك المنطقة المنكوبة، فالمشكلة ليست في الاعتمادات بل في المشاريع النافعة التي ستصرف عليها.
اللهم إلا إذا كان معالي الوزير يريد أن يمول حملته الانتخابية في مسقط رأسه على حسابي فهذا شأن آخر. 
البعض من حراس معبد الوزير يروجون في مواقعهم أنني تغيرت وأنني أهاجم الحزب الحاكم رغم أن هذا الأخير وقف معي ساعة المحنة، وأنا أقول لهؤلاء إن الذي تغير هو حزب العدالة والتنمية، فقد كان في المعارضة شبيها بالجمل الأجرب لا يكاد أحد يقبل بمعاشرته فبالأحرى الدفاع عنه. ويعلم الله كم شوكا أكل الحزب بفمي، وكم معركة خضتها مكانه وكل سلاحي قلم وورقة. ولتسألوا عبد الإله بنكيران كم مرة كان يحمل هاتفه ويتصل بي بعد قراءة عمود أعجبه نكاية في خصومه، وكم كان ينوه ويشكر ويبارك لي ما أكتب.
واليوم عندما صاروا إلى كراسي السلطة واستعذبوا ملمسها الناعم صرت أنا من غير معطفه، وكأنني أنا الذي كانت لديه لحية وزبرها، وكان لديه قميص مفتوح فشنقه بربطة عنق، وكانت له صندالة أصبع وغيرها بحذاء مريح.
يريدونني أن أكون مثل هؤلاء الصحافيين الصيارفة الذين كانوا يرشون الملح في جراحهم أيام المحنة السياسية وعندما أصبحوا في الحكم شرعوا يكيلون المديح لهم ويتحككون بسيقانهم مثل الكلاب الجائعة.
لا يا سادة، أنا لست من تلك الطينة. وحتى عندما اقترح علي رئيس الحكومة عندما دعاني للعشاء في بيته عقب خروجي من السجن منصب مستشار إعلامي لديه رفضت العرض بلباقة وأخبرته أنني أنوي إصدار جريدة فنصحني بالاكتفاء بموقع إلكتروني فقلت له «حتى هوا غادي نديرو» فضحك ضحكة صفراء من تلك الضحكات التي يجيد لوحده، وبقية الحديث لن أكشف عنها لأن المجالس أمانات. ولو أن بنكيران يعطي مثالا سيئا بهذا الخصوص بكشفه لكل ما يدور بينه وبين ضيوفه في المجالس المغلقة، ولم يوقر عليه حتى الملك.
سأظل أراقب كأي صحافي مهني كل من يتصرف في المال العام، بصرف النظر عن انتمائه السياسي أو نواياه المعلنة. فأنا لا يهمني أن تكون أيادي وزراء الحزب الحاكم نظيفة بل ما يهمني هو كيف يصرفون المال العام، فرب صاحب يد نظيفه يدفعه جهله إلى تبذير أموال الناس أكثر مما يفعل لصوص المال العام.
فنظافة الذمة وحدها لا تكفي لتسيير شؤون البلد، بل الحنكة والصرامة والنجاعة. 
وهذا بالضبط ما يعوز هذه الحكومة، وهذا ما سنظل نقوله ونأتي بالدليل عليه.

إرسال تعليق

0 تعليقات