عمود شوف تشوف عدد الجمعة 30 ماي 2014



الجمعية الوطنية للراحة والنوم

بقصفه لكل ما يتحرك يكون رئيس الحكومة قد بدأ في قطع شعرة معاوية حتى مع مسانديه الذين تعاطفوا مع خطاب المظلومية الذي ظل يروجه خلال الحملة الانتخابية وبداية ولايته الحكومية.
وعندما يقول رئيس الحكومة للتازي صاحب «ريشبوند» والعضو الفاعل في «الجمعية الوطنية للراحة والنوم» التي تضم صناع «السدادر» و«البونج»، أنه غير محتاج لصوته الانتخابي، وأن هذا الأخير صوت لفائدة حزبه فقط لأنه كان خائفا على مصالحه التجارية، فإنه يمرر عبره رسالة إلى بقية رجال الأعمال في الطبقة البورجوازية الذين تجندوا للتصويت لفائدة حزب العدالة والتنمية حرصا على الاستقرار السياسي وخوفا على مصالحهم الاقتصادية.
فكأنما يقول بنكيران لكل «المرفحين» الذين صوتوا لفائدته «أصواتكم زيدوها فيكم».
والواقع أن كل من يصوت لحزب معين يصنع ذلك حرصا على مصالحه. وحتى الذين ينتمون إلى الطبقات الشعبية والذين صوتوا لحزب بنكيران صنعوا ذلك حرصا على مصالحهم الخاصة، خصوصا بعد سماعهم لكل الوعود التي خرجت من فم الرباح والخلفي والشوباني وهم يصهلون في المنابر خلال الحملة الانتخابية. 
ولفهم غضبة بنكيران من أعضاء «الجمعية الوطنية للراحة والنوم» المرفحين، يجب العودة بالذاكرة إلى أمسية يوم 16 سبتمبر 2011، عندما بدأت سيارات فاخرة بالتوقف أمام فيلا فخمة بأحد أحياء الرباط الراقية، وفجأة وصل عبد الإله بنكيران بسيارته ودخل لكي يأخذ مكانه وسط نساء الطبقة البورجوازية اللواتي أقنعتهن مدام بنيس ومدام بنبعد الله بالحضور للاستماع إلى الأمين العام لحزب الإسلاميين المعتدلين الذين كانوا يتأهبون لخوض غمار الانتخابات التشريعية.
وفي هذه الفترة الحرجة والحساسة بالنسبة إلى الحزب الإسلامي، فقد كان دعم الطبقة البورجوازية حاسما، خصوصا البورجوازية الفاسية المقيمة بين محور الدار البيضاء والرباط، والذين كان دائما منصب والي بنك المغرب ووزير المالية من بين ظهرانيهم منذ استقلال المغرب وإلى اليوم.
ولهذا تكلفت مدام فتحية بنيس بتنظيم هذا اللقاء بين «النساء المؤثرات» والأمين العام القوي للعدالة والتنمية لكي يزيل مخاوفهن ويمنحهن الأمن الروحي الذي كن بحاجة إليه في تلك الأزمنة المتقلبة، دون أن تنسى مدام بنيس التركيز على أن المبادرة التي قامت بها تبقى مبادرة «شخصية» من جانبها.
وقد أثمر اللقاء فعلا عن تغيير نظرة أغلب هؤلاء النساء نحو الحزب، خصوصا أن أغلبهن كن يشكلن إلى وقت قريب رافعة مادية مهمة لحزب الاتحاد الاشتراكي، فضلا عن انتمائهن إلى عائلات عريقة في اليسار البورجوازي، أو ما يسمى في فرنسا «يسار الكافيار».
وقد كان هذا اللقاء المسائي بداية تحالف الإسلاميين مع البورجوازية الخائفة من رياح الربيع العربي التي كانت نسماتها تهب على المغرب نهاية كل أسبوع. وقد صوتت هذه البورجوازية لصالح العدالة والتنمية خلال الانتخابات التشريعية التي خرج منها الحزب منتصرا، وشبه مصدوم من مفاجأة تجاوز نسبة المقاعد التي حصل عليها سقف المائة مقعد.
غير أن بوادر الطلاق بين زعيم العدالة والتنمية والأعضاء النافذين في الطبقة البورجوازية بدأت تظهر بعد السنة الأولى لولاية رئيس الحكومة.
ولعل الجميع يتذكر حضور رئيس الحكومة بصفته الشخصية لمراسيم دفن عائلة برادة التي ماتت بكاملها في حادث سقوط الطائرة الخاصة بفرنسا، وكيف كان ذلك الحضور محاولة منه للتقرب أكثر من عالم رجال المال والأعمال الذي ظل بابه مغلقا في وجهه منذ وصوله إلى «سدة الحكم».
فرئيس الحكومة يعرف أكثر من غيره أن مفاتيح الاقتصاد موجودة بين أيدي رجال الأعمال هؤلاء، والذين يفر غالبيتهم العظمى من حقل السياسة والفاعلين فيه كما يفر المرء من الطاعون. ولعل فريد برادة الذي شيد إمبراطورية مالية كبرى بفضل شركة «كولورادو» للصباغة، خصوصا عندما قرر إدخالها البورصة وربح من وراء هذا الدخول 200 مليار سنتيم في السنة الأولى، يعتبر المثال الناجع لرجل الأعمال الذي ظل يشتغل وينمي ثروته بعيدا عن الأضواء، عملا بالحكمة الذهبية التي قالها البصري لرئيس «الباطرونا» آنذاك «الحجوجي»، والتي مؤداها «ترفح وسد فمك».
وقد كان الحجوجي حاضرا في مقبرة الرحمة وابتسامته الواسعة وراء حوت كبير من حيتان عالم المال والأعمال، إدريس جطو، الذي مد يده من وراء قضبان سور مقبرة الرحمة للسلام على رئيس الحكومة، في إشارة دالة على أن العلاقات بين الحكومة ومؤسسات الرقابة العمومية لا يمكن أن تكون إلا من «وراء قضبان».
فقد كانت الحملة التطهيرية على أشدها عندما أطلق وزير الداخلية القوي آنذاك نصيحته الغالية لرئيس «الباطرونا»، وهو يعول على الحجوجي لكي ينقل عدواها إلى زملائه «المرفحين» والذين أرعبتهم الحملة العاتية التي شنها البصري على مجموعة من رجال الأعمال الذين وجدوا أنفسهم يستنطقون في قبو المحكمة لكي يمثلوا أمامها بتهم ثقيلة أودت بأكثرهم إلى السجن ظلما وعدوانا.
ولعل سر النجاح المالي في المغرب ارتبط تاريخيا بالتعشيش في مناطق الظل، فالمال في المغرب فاكهة تنضج بعيدا عن أشعة الشمس، وإذا عرضها صاحبها للنور فإنها تنضج بسرعة وتصاب بالبوار بعد ذلك. وقد جرب كثيرون المزاوجة بين المال والنفوذ السياسي، فانتهوا جميعهم مفلسين أو على حافة الإفلاس. ومنهم من غامر بدخول عالم الصحافة، وفاته أن يعرف أن أرض هذا العالم مزروعة بالألغام، فانتهى بالخروج منه، مثل التازي، معطوبا، والذين صمدوا فيه دفع الثمن غيرهم ممن قبلوا أكل الثوم بأفواههم نيابة عن مول الشكارة.
وليس صدفة أن يخرج أحد هؤلاء الأقطاب البورجوازيين الذين خرجت أرجلهم من «الشواري» في عز الربيع المغربي لكي يوجه فوهة مدفعيته الثقيلة نحو حكومة بنكيران التي سبق له أن صوت ودعا إلى التصويت عليها، في نفس اليوم الذي حضر فيه جنازة عائلة برادة في مقبرة الرحمة.

فقد فهم الملياردير التازي، المحسوب على «يسار الكافيار»، والذي زاره مفتشو الضرائب الذين قبل سنتين ونصف وأجبروه على دفع المليارات لصندوق الضريبة، أن حماسه لحكومة بنكيران والسياسة عموما لن ينفعه سوى في جعله تحت مجهر مفتشي الضرائب. وهذا ما حدث مع رئيس «الباطرونا» الأسبق حسن الشامي الذي غامر بالتعبير عن موقف سياسي معارض، فانتهى خارج رئاسة «الباطرونا»، وتعرضت حسابات شركاته لمراجعة ضريبية قانونية جعلته يندم على تجاوز حدوده.
إن بنكيران يعرف أن هذا العالم المغلق والمليء بأسماك القرش الذي يسمى عالم المال والأعمال، سيظل من العسير عليه أن يلج بابه أو يطبع مع حيتانه. ببساطة لأن المال والسياسة خطان متوازيان لا يلتقيان، وهذه القاعدة يعرفها «المرفحون» المغاربة جيدا، ويعرفون أن السياسيين يأتون ويذهبون حسب الظروف والأحوال «الجوية» المحلية والدولية. أما الدولة فباقية ورجالها لا يذهبون بذهاب حزب من السلطة وزوال حظوته.
لذلك فشبكة علاقاتهم مع الدولة ورجالاتها تبقى بالنسبة إليهم أهم وأبقى من شبكة علاقاتهم مع الحكومة ووزرائها.
عندما يقصف بنكيران قلعة «الدوماليين» و«المرفحين» ويبدي تعفرا واضحا من أصواتهم الانتخابية فإنه يعطي إشارة واضحة بأنه فقد الأمل في «حليف» مهما لن يكون في صفه خلال الانتخابات المقبلة. ولذلك فقد فهم أن الطبقة التي يمكن أن تنقذه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة هي طبقة المسحوقين، وقد دشن حملته الانتخابية بينهم في أكوراي بضواحي مكناس.
ومع صديق مثل بنكيران ما حاجة حزب العدالة والتنمية إلى أعداء؟
فالرجل نجح في أن يستعدي الجميع ضد الحزب، صحافة ورجال أعمال وسياسيين وسلفيين، دون أن نتحدث عن أصحاب المهن الحرة الذين يشكلون قاعدة انتخابية واسعة والذين أنهكهم بنكيران بالزيادات المتتالية في أسعار كل شيء.
ماذا نسمي شخصا ذهب إلى أكوراي بضواحي مكناس وجمعوا له الناس لكي يخطب فيهم ويقول لهم إنه لم يزد عليهم في سعر أي شيء، بل إن أسعار البطاطا ولحم الدجاج نزلت في عهده، ومباشرة عندما يعود إلى الرباط يوقع على قرار الزيادة في أسعار الكهرباء؟
لا شك أنكم تعرفون أفضل مني الوصف الذي يليق بمثل هذا الصنف من الناس.

إرسال تعليق

0 تعليقات