من الوريد إلى الوريد، ذُبحت الديموقراطية في أرض الكنانة، دون رحمة ولا أدنى شفقة، بعد أن اعتقد الجميع فيما سبق بأن الحادث مجرد غيبوبة عقب انقلاب عسكري مكتمل الأركان، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، إنها الجريمة المنظمة بكل ما يحمله المفهوم من دلالات..
مراسيم الدفن تمت، الفاتحة قرئت، والقتلة هم قارئوها، في ذعر واضح خوفا من العودة، رغم اللحد الضيق والأحجار الثقيلة، والتكالب العظيم على إخفاء الحقيقة عن أبناء مصر بل والعالم أجمع. دُبرت المسرحية بليل حالك الظلام بين أكابر صانعي القرارات العالمية ممزوجة برائحة الذهب الأسود وأوكلت مهمة التنفيذ للعسكر الحاكم الحقيقي لبلاد مصر من وراء حجاب. "التصميم للانقلاب بديهي وواضح لا غبار عليه": هكذا كتب المفكر الإسلامي الفرانكفوني في مجلة "نيوزويك" الأمريكية. إعلام مبارك يسب ويلعن الشعب الذي رفض الانقلاب العسكري على حين غرة وعلى رئيس منتخب، وقناة العربية تعلن رسميا ولاءها لتكتمل فصول المسرحية.
"الانتخابات ليست وسيلة ديموقراطية": لسان حالهم هكذا قال. والحل تعيينات لأناس عجزوا عن حسم المعركة عن طريق صناديق الانتخاب. من يجهل البرادعي نذير شؤم لهذه الأمة، أينما حل وارتحل جلب معه دماء الأبرياء، والآخرون لا يقلون عنه انتهازية في رفض الديموقراطية بوسائلها المشروعة. من أين أتى هؤلاء المعينون؟ وإلى أين يسيرون؟ أهذه هي الديموقراطية؟! أليست وجوه الإعلام المصري حاليا نفسها التي تسبح وتحمد البارحة باسم: (حسني مبارك) قبل أن تقبل الثورة على مضض ثم تتحول فيما بعد أبواقا لزعزعة استقرار الكيان السياسي والاجتماعي على أرض أم الدنيا دون أن ينتج عن ذلك إغلاق القنوات وتنفيذ حملات الاعتقال ومتابعات ومحاكمات كما فعل العسكر. إنها الحقيقة التي حاولوا حجبها بغربالهم المثقوب ناسين أو متناسين أن التاريخ سيسجل في حقهم مؤامرة لن تنسى في مخيلة الأجيال.
يعجبني البعض من أبناء هذا الوطن العزير حين يتحدث عن الديموقراطية مختفيا وراء أزرار حاسوبه مساندا الانقلاب العسكري في مصر دون أدنى حياء ممتثلا لمقولة:"انصر أخاك ظالما او مظلوما" بمعناها الجاهلي، ليسمحوا لي أن أنصحهم بالبحث باكرا عن أزياء تناسبهم على شكل خمار لتغطية وجوههم حين يخرجون لأرض الواقع قصد إخفاء سيما النفاق الديموقراطي الذي طالما اعتبروه منهجا لتبرير مواقفهم الشاذة قبل فوات الأوان.
الآن حصحص الحق وماز الخبيث من الطيب وخرج المنافقون من جحورهم ناكسي الرؤوس. وأحرار العالم واقفون ضد كل من سولت له نفسه المس بالقيم الإنسانية مهما كان ذلك موافقا لهواهم. عسكر مصر ومن معه ذبح الديموقراطية غدرا من الوريد إلى الوريد. وبعد الغسل والكفن عاد من جديد ليمشي في الجنازة كأن شيئا لم يقع. ولكن التحقيقات اهتدت وبشكل سلس إلى كل من أعان على الجريمة في انتظار أن تقول العدالة كلمتها فإن للتاريخ مزابل تنتظر من البعض ملأها قبل أن تمحى من ذاكرة النسيان.
0 تعليقات
الصفحة رسمية لجريدة الأخبار المغربية